الكاتب : حسان عبه جي

هناك توتر إعلامي تجاه القرار الظني، وهو إعلامي بالدرجة الأولى لأن الموضوع ينطلق على ما يبدو من وسائل الاتصال قبل أن يعلن عنه السياسيون، او حتى قبل أن تتضح معالم السياسة الخاصة بمسألة "اغتيال الحريري"، ويضاف إلى ذلك أن التسريبات تنطلق من النقطة الأبعد فوسائل الإعلام المعنية بهذه القضية تبدو الأبعد جغرافيا ومعنويا أيضا، لكن الاتهام مهما بدا جاهزا وقادرا على رسم خارطة مختلفة في لبنان إلا أنه ليس "جاهزا" من الناحية السياسية، وهو ما يجعل وسائل الإعلام المسرح الحقيقي لتهيئة المناخ الخاص به.

هناك أطراف تدرس الاحتمالات لكن على ما يبدو أن "طرفا" آخر معني مباشرة بما سيؤول إليه الاتهام في الاغتيال يتصرف خارج إطار الاحتمالات، فالمسألة ليست فقط بالتسريبات بل ما ستدفعه تلك المعلومات التي تبثها وسائل الإعلام على الساحة اللبنانية عموما، فحزب الله على سبيل المثال لن يُفاجئ كثيرا من تلك التقارير لأنها في النهاية طالته سابقا، وهو يعتقد أن الأمر يسير دوليا بغض النظر عن "الحقائق"، وهو يبدو أيضا معني بانعكاسات الأمر على ساحته وليس بردود الفعل الدولية.

في المقابل فإن تتبع التصريحات الخاصة بـ"الفريق الآخر" الذي يعتبر نفسه "المتضرر" من مسألة الاغتيال تذهب خارج إطار الساحة اللبنانية، فهي ترصد في النهاية الموقف الدولي المرتقب، وتسعى لمعرفة موقعها من التوازن الذي يمكن أن يحدث في أعقاب صدور أي قرارات، فهو يتعامل مع "الوضع الإقليمي" و "الدولي" الذي يمكن أن ينجم عن مثل هذه القرارات، ورغم أن التقرير الذي بثته c.b.c الكندية طال أهم المقربين من رئيس الوزراء اللبناني سعد الحريري، لكن الأمر لم يتجاوز تجديد الثقة فيه، وهو رد فعل لا يرقى إلى ما يمكن أن تؤدي إليه هذه الشكوك من اختراقات لجناح تيار المستقبل بمختلف أطرافه.

ربما يحتاج الأمر هنا إلى قراءة مختلفة في مسألة "القرار الظني"، حيث تبدو فيه الرهانات خارج إطار ما هو كلاسيكي أو نمطي، لأن توازنات المنطقة لا توحي بقدرة طرف معين على التحرك ضد أو مع مثل هذا القرار، وفي نفس الوقت فإن الساحة الدولية منشغلة بأمور مختلفة أعادت ترتيب أولوياتها، واهتمامها بلبنان ليس مؤجلا بل مرتبط بأجندة تبدو مختلفة تماما مع ما سبق، ومن هنا تأتي الرهانات غير المألوفة، فمسألة اتهام حزب الله والنتائج المترتبة عليه تنتهي عند بعض الأطراف بمسار التحالفات الإقليمية، حيث تبدو خيارات انكفاء بعض القوى، مثل إيران على سبيل المثال أمرا مغريا يتيح التعامل من جديد مع حزب الله بعيدا عن تحالفاته القوية، من هنا يأتي الإعلام بالشكوك، ويقدم صورا "غير مألوفة" ويثير ضجة حتى في أوساط المحكمة الدولية كمقدمة لزرع إشارات الاستفهام حتى داخل القوى المتحالفة... فهل سينجح مثل هذا الرهان؟!

في مجال السياسة كل شيء ممكن، لكن النقطة التي لا يمكن تجاوزها هنا هي "إسرائيل"، فعندها ينتهي أي "حياد" بالنسبة لأكثر من طرف وخصوصا سورية وإيران، وهو ما يجعل مسألة خلط الأوراق أصعب من المعتاد رغم أنه ممكن بالنسبة للبعض.