الكاتب : حسان عبه جي

الأستاذ جهاد الخازن وفي عدد اليوم من الحياة تحدث عن وثائق ويكليكس بأنها تحمل إجماعا "عربياً عاماً، ونادراً جداً في هذا الزمان السيئ، على القلق من سياسة إيران"، وبالفعل فإن تلك المعلومات ترسم خارطة العداء مع إيران وتظهر "إسرائيل" في حالة تنسيق مع أكثر من طرف عربي، أما الأستاذ سعد محيو وفي عدد صحيفة الخليج الصادرة اليوم فهو يرى بصمات "إسرائيلية" عبر مؤشرات، وبالإمكان استعراض آراء أخرى، فالمعلومات تبقى نفسها ولا تحوي من الأسرار الكثير، لكنها قدمت ظاهرة وربما يكون هذا الموضوع هو الأهم.

في قراءة الظاهرة فإنني نقف على عدة مسائل أساسية تداخل ما بين السياسة والإعلام، حيث نلمس تحولا لا يمكن تجاهله في مسألة الاتصال تنزع "القدسية" أو م يمكن تسميته "رُهاب" النظر إلى السياسيين وحتى الإعلاميين، ففي بريطانيا هناك تصنيف للعمل الإعلامي سائد بين الإعلاميين أنفسهم يضع هذه المهنة في موقع "المهن العليا"، وربما علينا أن نسأل اليوم ما الذي بقي من هذا التصنيف؟ أو حتى هل كانت هذه النظرة تحمل خروجا عن الموضوعية التي تعتبر مبدأ إعلاميا هام.

بالدرجة الأولى ظهرت السياسة في ويكليكس قريبة جدا من "الثرثرة"، فهناك كم من الحديث غير اللائق الذي لا يقدم أي قيمة مضافة للعمل السياسي، فهناك كم كبير من الانطباعات أو المشاورات التي لا تستند إلى قاعدة معلومات، أو ربما أراد الموقع تقديها بغض النظر عن المساحة الأساسية لها، فهبطت السياسة إلى مساحة الحديث العادي بعد أن كانت في زمن سابق تملك موقعا مختلفا، ونكتشف اليوم أن الانطباعات الخاصة بالبعثات الدبلوماسية ربما لا تؤثر على القرارات لكنها تشكل هامش طويلا، وآلية للانغماس الديبلوماسي في كافة التفاصيل التي لا تعني في كثير من الأحيان سوى "حركة" لا تقود إلى هدف واضح.

وفي موقع آخر فإن الظاهرة التي قدمتها ويكليكس يمكن اعتبارها "الموجة الثانية" من عمليات التبدل الإعلامي، فبعد أن اجتاحتنا المدونات والمواقع الإلكترونية، وأدت إلى طفرة في انتقال المعلومات (رغم أن معلومات المدونات تحتاج دائما لتدقيق)، فإننا اليوم انتقال في استخدام الاتصال بطريقة غير تقليدية حيث يُغمر العالم بكم من الوثائق الرسمية (لا تحتاج لكثير من التدقيق) لكنها في نفس الوقت انتقائية، ونحن هنا أمام احتمالين:

الأول أن عملية الانتقاء كانت مدروسة سواء من الموقع أو من الجهة التي سربت المعلومات، وبالتالي فأننا سنصل إلى نوع من الاتصال من خلال المواقع الإلكترونية المستقلة وفق التصنيف، ولكنها تخدم سياسات الدول وتؤثر بشكل أكبر مما تقوم به الحملات الإعلامية المكثفة.

الثاني أن الانتقاء جاء نتيجة الكم الكبير للوثائق حيث لا بد من تجزئة التسريب، وسنصل هنا إلى نفس النتيجة السابقة وهو أن موقع واحد يستطيع أحيانا أن يحول أنظار العالم باتجاه معين.

إعلام ما بعد الحداثة إن صح التعبير يعمل دائما خارج السياق، فهو لا يملك المحددات التي اجتهد الإعلاميون على وضعها طوال قرن كامل، وهو ما يدفعنا ليس لتدقيق المعلومة أو وضعها في إطار محدد كما فعل جهاد الخازن، فليس هناك نتيجة من الكم الذي يتسرب يوميا، والأهام هو تداعيات هذه الظاهرة وإدراك أننا في منطقة "الموجة الثانية" من الإعلام الافتراضي.