الكاتب : ربى الحصري

أحاول ان أرى المشكلة من زاوية مختلفة، فالصقيع الذي يضرب أوروبا ليس ظاهرة جوية فقط، لأن حالة انهيار درجات الحرارة هي ظاهرة مركبة في الكثير من عمليات الانهيار التي تطال العالم وليس فقط المجتمعات الأوروبية، فهناك ما يمكن ان نسميه "قعر السياسة"، وهو ليس مصطلح بل واقع يمكن أن نتلمسه عبر ظواهر سياسية أو حتى اجتماعية.

العاصفة الثلجية في بريطانيا تركتني لأيام أفكر بمساحة الدفء في الشرق الأوسط، ولكن الأمر ليس مجرد مشاعر خاصة بل يحمل التشكيل الجغرافي المتناقض، وهو في نفس الوقت لا يستطيع الخلاص من مشكلة "الانهيار"، فيكفي أن نقرأ تصريحات السلطة الوطنية الفلسطينية حتى ندرك أن هناك "قعر سياسي" أيضا يستوعب جملة المواقف المتعلقة بمسألة التسوية.

وهنا أيضا أستطيع التمييز في ردود الأفعال بين الشرق والغرب، فما يرافق "قعر السياسة" يبدو في المملكة المتحدة وكأنه محاولة لكسر النظام الصارم في التفكير من أجل الخروج من هذه الحالة، ومهما بدت هذه المحاولات فاشلة في بعض مظاهرها لكنها على الأقل تكون مسؤولة عن تشكل "وعي جديد" في الأزمات التي أدت لحالة الانهيار، والنموذج الأوضح هو موقع "ويكيليكس" على سبيل المثال الذي تحتضن بريطانيا مؤسسه رغم حجم المشكلات التي ترافق صاحب الموقع.

بالتأكيد فإن "وكيليكس" ليس صنيعة بريطانية لكنه الصورة التي يمكن التعبير عنها عند رؤية "قعر السياسة وردود الفعل على هذا الوضع، وهو حالة موازية لعالم لا يحوي صراعا على المستوى الفكري، سواء تعلق الأمر بالفكر الاقتصادي أو الاجتماعي أو السياسي، فالذروة التي وصل إليها العالم في نظام "القطبين" لم تحمل فقط صورا بائسة من "المعسكر الشرقي"، بل أيضا أحلاما ثقافية واجتماعية لا تنضوي بالضرورة تحت عباءة أي من القطبين.

في الشرق الأوسط هناك "تعبير رجعي" فهناك يأس من المستقبل، وكلما ظهر انكشف قعر السياسة تحول الناس إلى تعبير فردي يحاول البحث عن خلاص خارج المجموع، فهي الثقافة التي تتجذر فينا فتنتج "القاعدة" و "جند الإسلام" والتفكير بالآخر على أساس إيماني.

أساليب التعبير عن الظواهر تبدلت، ولا أتوقع ان يخرج من هذا "القعر" حالة تشبه ثورة الطلاب عام 1968، أو حتى ظهور حركات مثل "الخضر"، إلا أن الملاحظ أن أساليب التواصل هي الميدان الأساسي الذي يشكل ظواهر مستقلة، وعندما نعيد النظر إلى "ويكيليكس" فإننا سنجد اكثر من مجرد البحث عن تسريبات أو مؤامرات أو حتى نبش الأغراض السياسية، فحتى لو كان هناك صفقات غير معلنة مع الموقع، لكنه بذاته يشكل حالة غير مسبوقة في اختراق القعر السياسي.

نحن أمام عاصفة ثلجية هي الثانية التي تضرب بريطانيا هذا الموسم، لكنها تترك مشهد ملتبسا ما بين التنبؤ الجوي والنظر إلى المستقبل في عالم يقفز داخل نفس قعر السياسة.