الكاتب : ربى الحصري

خلال الأوقات القصيرة التي يتيحها الطقس في الجزر البريطانية يمكننا ان نتأمل من نافذة القطار صورة مختلفة، فهذه الجزر التي تضم اسكتلندا وويلز وأيرلندا إضافة لبريطانية تعيش واقع الوحدة، ورما يخطر في البال احتمالات حالة الانفصال، وذلك على سياق السودان، لكن البعض ربما يرى في الحالة الديمقراطية "ضمانا" لبقاء المملكة المتحدة، رغم ان النموذج الايرلندي يكسر مثل هذا الأمر.

في المقابل علي أي زائر إلى تلك الجزر أن يمر في "ويلز" على الأقل ليلمس الفروق الاقتصادية على الأخص إذا كان قبل ذلك في لندن مثلا، فالانسجام الذي تملية الوحدة أيا كانت ربما لا يمكن أن يمر فقط تعداد العوامل، أو بممارسة الديمقراطية أو أساليب التنمية، فالوحدة على ما يبدو حالة من "التعلم" الدائم التي تخلق "انسجاما" مع "نتائج الوحدة" أو حتى نسيجا ليس بالضرورة ان يعبر عن قاعدة ثقافية واحدة، لكنه يرسم إمكانية "الاختلاط" بين تلك الشعوب، ورما الحق في الحفاظ على مكوناتها في إطار الوحدة... كيف؟

هو السؤال الذي نخفق به دائما بينما ينجح الآخرون في تحقيقه، والإجابة هي بحث تاريخي - نفسي طويل، لكن الحلول على ما يبدو جاءت من خلال "استراتيجيات" الدولة بالدرجة الأولى للحفاظ على الوحدة، هذا الموضوع هو الذي دفع باتجاه ظهور الاتحاد الأوروبي على سبيل المثال، ودفع أيضا المملكة المتحدة لعدم الدخول في نظام الوحدة الأوروبية وتفضيلها البقاء مع الرابط الخاص لضفة الأطلسي الأخرى.

ربما علينا الاقتناع بأن مسألة الوحدة والانفصال ليست مجرد احتمالات لإجراءات محددة، وأن الاستراتيجيات تعيد "خلق" الوحدات السياسية، وتتعامل معها وفق الحيوية التي تفرضها "الوحدة" أو "الانفصال"، وعدى ذلك يصح التجميع أو التفريق حالة تشبه التقسيم العشوائي في العمارة.

في الجزر البريطانية لا نستطيع تجاهل نوعية التعامل مع "ايرلندا" كمثال فاقع في حالة الوحدة، فمسألة العنف ثم الاتجاه إلى نحو التسوية فرضها وجود جمهورية ايرلندا، وهو ما يدفع للتخوف من إمكانية ظهور حالة تقلص من حيوية الجزر البريطانية، وهنا أيضا علينا الاقتناع أن الانفصال تخلقه حالة ما قبل الدولة، أو التفكير الذي يرجع للتفكير الديني او المذهبي أو الأثني، ينما لا تظهر الوحدة دون وجود تفكير يحمل أساسا نظريا وإرادة لرسم إستراتيجية مبنية على هذا الفكر النظري.

راعيات البحث عن الانفصال ليست مجرد اسم لكنه ظهر بشكل تلقائي من الجزر البريطانية كراعية واضحة المعالم، لكنها قادرة على "خلق" الوحدة، ونستطيع العودة تاريخيا باتجاه مراحل سابقة للعهد الفيكتوري حتى نتلمس صعوبة خلق استقرار استراتيجي في مسألة الوحدة، في المقابل فإننا نستطيع العودة إلى الوراء أيضا لرسم ملامح مختلفة لما يحدث اليوم أو لأشكال الانفصال التي تم إنجازها أو هي في طور التحقق.