الكاتب : جورج حاجوج

يبدو أنه أمل ضعيف جداً، وغير قابل للتحقق، حتى ولو زار كل الرؤساء الأوروبيين واشنطن مرات ومرات!.. لكنه في المقابل لا يعني أن تتخلى أوروبا عن البحث الدائم لدور لها في عملية السلام، حتى ولو لم تستطع كسر الاحتكار الأمريكي.. هذا ما يجب أن تقتنع به أوروبا وتعمل من أجله عموماً، وفرنسا كرأس حربة أوروبية خصوصاً.

وبكل الأحوال، فإن الدعوة إلى دور أوروبي فاعل لم تكن يوماً مطلباً أوروبياً، إنما هي مطلب عربي ومنذ بداية العملية السلمية.. وفي الجهة الأخرى وعلى النقيض تماماً فإن واشنطن ومعها تل أبيب لا تستسيغان حضور هذا الدور ولا تقبلان به، ولكل منهما حساباته وقراءاته.

فواشنطن تدرك أن المحافظة على دورها كراعٍ رئيسي والإمساك بقوة بكل خيوط العملية السلمية وعلى مختلف مساراتها، يعني حجز مكان ثابت وأساسي لها في هذه المنطقة الحساسة من العالم، سواء بإنجاز العملية السلمية أو بعدمه.. وتل أبيب بدورها ترى في انحياز واشنطن الدائم نحوها فرصة أفضل بكثير مما لو دخل الأوروبيون على خط العملية السلمية ومفاوضاتها لأنه وبكل تأكيد سيدخلون بشروط هي أقل ثماراً ومكاسباً بالنسبة لـ "إسرائيل"!.

بالطبع هذا لا يعني أن الأوروبيين "قديسين" ورعاة صالحين بالمعنى المطلق، فمواقف أوروبا معروفة على مدى سنوات الصراع والتفاوض العربي ـ "الإسرائيلي"، إنما يعني أن الأوروبيين أقل انحيازاً نحو "إسرائيل" فيما لو تمت مقارنتهم بالولايات المتحدة الأمريكية!.

واشنطن وتل أبيب وأوروبا ومعهم العرب يعرفون جميعاً هذه الحقائق.. أكثر من هذا، فإن أوروبا تقرأ وتعرف حجم حصتها من هذه الكعكة "إن صحت التسمية"، فأوساط الرئيس ساركوزي نفسه مهدت وقبل زيارته لواشنطن واعترفت أن "دور واشنطن لا بديل عنه، ولا أحد يعارضه!.." واكتفت بالتأكيد أن هناك رغبة أوروبية في تحريك مسارات التفاوض والمساعدة في هذا السياق، يضاف إلى ذلك التعبير عن الاستياء الأوروبي من البقاء في موقع المتفرج والممول!.

إذاً ـ وهذا ما تظهره التجربة وعلى مدى أعوام طويلة من البدء بالمفاوضات "أيام مؤتمر مدريد" ـ يبدو واضحاً أن سقف الدور الأوروبي في العملية السلمية يتمثل في الدخول على الخط كلما بدا النفق مظلماً، أو الأفق مسدوداً، وممارسة دور "الإنعاش" للمحافظة على راهنية الوضع "المتدهور أساساً" ومنعه من المضي إلى مزيد من التدهور، وفي أحسن الأحوال، قد يصل سقف الدور الأوروبي "المسموح به أمريكياً وإسرائيلياً طبعاً!!"، إلى تحريك عجلة أحد المسارات ودفعها إلى الأمام، ربما سنتيمترات قليلة لا أكثر ولا أقل!.

هذا ما تُحدثنا به تجربة أوروبا مع العملية السلمية منذ سنوات، وهذا بالتأكيد ما لا ترغب به أوروبا ولا العرب، لكن واقع الحال يقول إن رغبة أوروبا في دور أساسي وفاعل ومعها رغبة العرب ليست القول الفصل في خطوط ومسارات العملية السلمية ورسم مستقبل المنطقة!.

أوروبا تريد والعرب يريدون، وهذا جيد.. لكن الولايات المتحدة الأمريكية و"إسرائيل" لا تريدان ، وهذا أشرّ الشرور!.