الكاتب : ربى الحصري

النموذج اللبناني يطرح مسألة الرأي العام وعدم القدرة على التحكم به بآليات اعتيادية، فهذا البلد قادر على منح العالم عددا غير محدود من الإعلاميين والمحللين وحتى المحطات الفضائية ومواقع الإنترنيت، لكن القدرة على تغير مسار الرأي العام تبدو فيه مستحيلة، والخطاب الذي يقدم في هذه اللحظة بالذات يبدو أنه نوع من الشرح لنفس الجمهور إضافة لما يقدمه من رسائل سياسية للخارج.

في تونس النموذج كان معاكسا فالتعامل مع الرأي العام في لحظة ما بعد الانفجار أو التداعيات جرى من خلال صفحات "المواقع الاجتماعية" وتم استخدام "التويتر" لنشر الأخبار داخل بلد يحكمها نظام إعلامي مختلف لا يتيح المساحة الموجودة في لبنان، ووفق هذه الصورة فإن الرأي العام يتحرك على عوامل ربما لا علاقة له بـ"الطاقة الإعلامية"، وحتى الموجودون على على رأس الهيئات الإعلامية في لبنان يعرفون أن مسألة توسيع الجمهور السياسي عبر الإعلام تشكل معضلة طالما ان المرجعية الخاصة بالفئات الاجتماعية مازالت قائمة على أساس شكل النظام السياسي.

بالطبع فإن الاختراق الذي يحصل لم يكن لقنوات البث أو الصحف أو المواقع الإلكترونية دورا فيه، فتحالف حزب الله مع التيار الوطني الحر هو الذي أوجد تداخلا في الخطاب الإعلامي بين الجانبين، في وقت تبدو الألوان منفصلة داخل الطيف السياسي والإعلامي، وهو ما يدفع البعض لاعتبار أن الصفحات الإلكترونية التي تتيحها "المواقع الاجتماعية" مثل الفيس بوك هي المكان الذي يمكن فيه "وصف الرأي العام" أو حتى التأثير فيه، ولكن هذا الاعتقاد تتخله الكثير من إشارات الاستفهام إن لم نقل التعجب.

عمليا فإن "الفيس بوك" وقع قبل عام تقريبا في فخ "التنميط" بعد توقيعه على اتفاق مع مصر حدث كثيرا من مساحة الحرية التي يملكها، لكن المشكلة الحقيقية تكمن في أمرين:

الأول أن الصفحات الاجتماعية بمجملها تبقى في المساحة الافتراضية، حيث يصعب التحقق من هوية من ينشؤون مجموعات أو صفحات لاستقطاب الرأي العام، حيث يسهل الاختراق وربما التعامل مع عمليات التضليل.

الثاني أن المواقع الإلكترونية عموما تملك مرونة تجعلها تتفوق على نفسها في عملية "النقل" أو "الابتداع" أو حتى التخفي، فالساحة الافتراضية تحمل طاقة من "الخيال" يمكن استخدامها عندما يقرر البعض الانتقال من شبكة تعارف إلى حالة تعبئة.

المقاربة الأساسية للرأي العام في العالم العربي إجمالا ماتزال صعبة، كما أن حدود التأثير عليه تتداخل مع عوامل مختلفة يبدو الإعلام جزء منها، فهو يقدم مؤشرا على "المناخ العام" لكنه لا يستطيع تقديم تحديد دقيق، وتجربتي لبنان وتونس ستبقيان نموذجا يتطلب دراسة مفتوحة لقدرة "المرجعيات التراثية" في خلق عملية الاستقطاب أكثر من أي تقنيات حديثة.