في اليوم السادس للتظاهرات الداعية للتغيير في مصر برز تطور في الموقف الأمريكي عبر عنه الرئيس باراك أوباما باتصالات مع زعماء المنطقة، داعماً انتقالاً سلمياً للسلطة إلى حكومة تلبي تطلعات ’الشعب’، بعدما كانت وزيرة خارجيته هيلاري كلينتون اكتفت بالدعوى إلى ’انتقال منظم إلى الديمقراطية’، وصدّرت الخارجية تعليمات بإجلاء الأمريكيين من مصر، الأمر الذي سبقتها إليه دول عربية وأجنبية عدة .

وعلى وقع التظاهرات التي لم تغادر المدن المصرية كافة، تحول ميدان التحرير في وسط القاهرة إلى مركز تجمع رئيسي للمعارضين، حاول أن يلتحق به الدكتور محمد البرادعي من دون نجاح.

وطالب محمد البرادعي رئيس الجمعية الوطنية من أجل التغيير المتظاهرين في ميدان التحرير وسط العاصمة، بعدم مغادرة أماكنهم حتى يتم تحقيق أهدافهم . وأكد أن ’ما بدأتموه يجب ألا ينتهي حتى تحقيق الأهداف المطلوبة وأهمها الإصلاح السياسي والاجتماعي’.

وقال أمام نحو 15 ألف متظاهر في ميدان التحرير إن ’لنا مطلباً أساسياً هو رحيل النظام’، واعداً بأن مرحلة جديدة تبدأ . وأكد ’ما بدأناه لن يعود إلى الوراء أبداً’ .

وتجمع عشرات آلاف المتظاهرين في ميدان التحرير في وسط القاهرة يومي السبت والأحد للمطالبة بإسقاط نظام حسني مبارك، متحدّين قرار فرض حظر التجوال الذي جدده مبارك، بصفته الحاكم العسكري، حتى مساء اليوم، في وقت شهدت باقي المدن المصرية تظاهرات شارك فيها الآلاف، وكان أكبرها في الإسكندرية حيث أشارت مصادر إلى أن أكثر من 150 ألف مصري خرجوا إلى الشوارع للمطالبة برحيل النظام.

وفيما كان آلاف المتظاهرين يتجمعون في ميدان التحرير، سجّل تحليق لمقاتلات حربية من طراز أف-16، ما أثار تساؤلات حول الرسالة التي تريد القيادة العسكرية توجيهها من هذا الاستعراض الجوي، ليتبيّن لاحقاً أن هذه الطائرات كانت تواكب زيارة قام بها وزير الدفاع المشير محمد طنطاوي إلى مبنى التلفزيون الرسمي.

وتداول الشارع المصري سيناريو الساعات المقبلة على النحو الآتي: يشكل احمد شفيق حكومة جنرالات جديدة مطعمة ببعض المدنيين، يتم فيها الاستغناء عن بعض رموز الفوضى والفساد، فيرد الرأي العام بالرفض الذي يدفع مبارك إلى رمي المزيد من الأوراق لا سيما حل مجلس الشعب المطعون بشرعية انتخاب 90 في المئة من أعضائه بحسب اعتراف المحاكم الرسمية، قبل أن يضطر في نهاية المطاف إلى الالتحاق بالرئيس التونسي في موعد ينتظره المصريون بفارغ الصبر، ويأملون ألا يكون بعيدا، وألا يكلفهم المزيد من الدماء والخراب.

وبدا أن الأزمة لن تمتد طويلاً، إذ يتوقع المصريون أن تنتهي بين ثلاثة أيام وأسبوع كحد أقصى، فيما استبعد المراقبون تولي أي من رموز النظام القائم الحكم، خاصة أن عمر سليمان واحمد شفيق ومحمد طنطاوي وحتى رئيس الأركان سامي عنان عاجزون وغير مؤهلين للقيادة، لكن ثمة مخاوف لدى بعض أوساط المعارضة من أن تسعى واشنطن إلى ترتيب اتفاق تقاسم للسلطة بين الجيش والليبراليين بما يمكن المؤسسة العسكرية من الإمساك بخيوط اللعبة السياسية.

ولم تصدر أي تعليقات إضافية حتى الآن من مبارك، الذي اقتصر حضوره الإعلامي يوم أمس، على زيارة لمركز عمليات القوات المسلحة لمتابعة السيطرة على العمليات الأمنية، وقد بدا إلى جانبه كل من سليمان وشفيق، بعد سلسلة من الإطلالات التلفزيونية الصامتة يوم السبت.

وبدا نظام مبارك في حال من الانهيار، وهو ما تبدّى في إعلان التلفزيون الرسمي أن أمين تنظيم الحزب الوطني الحاكم أحمد عز، الذي يعد الرجل الثالث في الحزب بعد حسني مبارك ونجله جمال، قد استقال من منصبه، فيما تردد أن عائلته قد غادرت البلاد على متن طائرة خاصة، على غرار عائلات 18 رجل أعمال نافذين آخرين.

من جهته، قال رئيس مجلس الشعب المصري فتحي سرور إن المجلس سيحترم أحكام القضاء بشأن صحة الانتخابات التشريعية الأخيرة وسيصحح عضويته.
وكان العضو القيادي في جماعة الإخوان المسلمين عصام العريان أعلن أن قوى المعارضة المصرية اتفقت على تأييد محمد البرادعي كمفاوض مع الحكومة. وعلم أنه تم تشكيل لجنة من عشرة أشخاص للتفاوض مع الحكومة.
وكانت القاهرة، كغيرها من المدن المصرية، قد شهدت أجواء من الرعب، بعد انسحاب قوات الأمن من معظم الأحياء ليل الجمعة الماضي، ما أوجد حالاً من الفراغ الأمني استغله البعض للقيام بعمليات نهب وتخريب للممتلكات العامة والخاصة، وحتى استهداف المدنيين.
إلى ذلك، تواصلت عمليات إجلاء رعايا دول عربية وأجنبية، وسط تزاحم المئات من السياح الأجانب والعرب على صالات السفر في محاولة منهم للعثور على فرصة للسفر .
ودخل حظر التجوّل في القاهرة والمدن المصرية الرئيسية حيّز التنفيذ عند الساعة الرابعة بعد ظهر أمس، فيما احتشد عشرات الآلاف من المتظاهرين في ميدان التحرير وسط القاهرة متحدين الحظر، وانضم إليهم علماء من الأزهر وقضاة، فيما توجه رتل من 16 دبابة إلى الميدان، وبدأت الشرطة العودة إلى الشوارع ليلاً عقب اجتماع أمني لوزير الداخلية المقال حبيب العادلي مع قيادة الأجهزة الأمنية، ودعوته إلى عودة الشرطة لضبط الأوضاع .