تشهد مصر احتجاجات غير مسبوقة شارك فيها مئات الآلاف من المتظاهرين الذين يطالبون برحيل الرئيس المصري حسني مبارك، وتحقيق اصلاحات سياسية واجتماعية جذرية.

قام موقع بي بي سي العربية بالحديث إلى مدون مصري، هو كمال نبيل، وهو أيضا ناشط في جمعيات غير حكومية، وطلبوا منه أن يكتب مشاهداته عن تطورات الأحداث في مصر، وعن مواقف وآراء الشباب الذين يلتقي بهم تجاه هذه التطورات.

الأربعاء 2 شباط :

اثناء مروروي بمناطق مختلفة في القاهرة وجدت مظاهرات مؤيدة لمبارك، هذا بالاضافة الى مؤيدي مبارك الذين ظهروا في ميدان التحرير واشتبكوا مع المحتجين.

وجدت كثيرين يصرون على التظاهر لانهم شاهدوا صديقا او زميلا فقد حياته خلال المظاهرات او تعرض للتعذيب على ايدي اجهزة الامن. وعلى سبيل المثال التقيت بفتاة شاهدت شابا لقي حتفه بعد ان اصيب برصاصة في القلب، فقررت مواصلة التظاهر.

شاهدت ايضا احد الشباب الذي حاول ان يعظ الناس بخطب وعبارات دينية، ويبدو من هيئته وكلامه ان ميوله سلفية، الا ان منظمي المظاهرة في ميدان التحرير منعوه من مواصلة الخطابة، وقالوا له ان هذه المظاهرة ليست دينية.

هناك خلاف سياسي بين القوى المعارضة. البعض يرى ان مبارك قدم ما يكفي من التنازلات، والافضل لتحقيق الاستقرار للبلد القبول باستمراره رئيسا حتى نهاية فترته الحالية. البعض يرى ان كل ما اعلن مبارك لا يكفي، ولا يقبلون بديلا عن تنحيه عن الحكم.

ارى انه لابد من العمل السياسي بالاضافة الى التظاهر. المشكلة ان المشاركين في هذه الاحتجاجات عبارة عن عدة مجموعات، كل مجموعة لها مطالب مختلفة. حتى القائمة التي تضم عشرة شخصيات معارضة للتفاوض مع الحكومة محل خلاف، اذ ان هناك عدة قوائم تضم اسماء مختلفة، وشاهدتها بنفسي.

نحن، كناشطين، نخاف من الفتك بنا اذا لم تتحقق مطالبنا. اطالب بالغاء قانون الطوارئ ومحاكمة المسؤولين بوزارة الداخلية عن انسحاب الشرطة من مختلف المواقع، وهو ما خلق مشكلات كثيرة، وعلى رأسها الامن. هذا بالاضافة الى تحقيق ما وعد به مبارك بالنسبة لتنفيذ احكام القضاء بخصوص عضوية البرلمان، والذي ربما يعني عمليا حل البرلمان.

لا يزال الامن من اهم متطلبات الناس الذين يخشون من تصاعد الازمة، ويتمنون عودة الحياة الطبيعية.

الثلاثاء 1شباط:

تدفق مئات الآلاف الى ميدان التحرير اليوم، حيث فاض بهم الميدان، واحتل المتظاهرون الشوارع الجانبية المؤدية اليه. قام الجيش بتوزيع منشورات تؤكد على احترام حق المتظاهرين في التعبير عن رأيهم، مع ضرورة الالتزام بسلمية المظاهرات.

اللجان الشعبية تتواجد بشكل واضح في كل مكان، وشكلت نقاط تفتيش تقوم بالتأكد من الهويات الشخصية للمواطنين، وتوقف السيارات للتأكد من سلامة رخص القيادة، أي انها تقوم بالوظائف التي كان يفترض ان تقوم بها الشرطة.

المتظاهرون مصرون على مطلبهم برحيل مبارك ولا بديل لذلك. ولكن هناك خلافات بدأت تظهر بين الناشطين مع شعورهم باقتراب هدفهم في اسقاط النظام.

هناك مثلا خلاف على اختيار محمد البرادعي لتمثيل قوى المعارضة، خاصة وان مجموعة كبيرة من الناشطين الذين دعوا لهذه التظاهرات من اعضاء حزب الغد، وويطالبون بان يتولى ايمن نور تمثيل قوى المعارضة.

جماعة الاخوان المسلمين اعلنت انها لن تقبل التفاوض مع الرئيس او نائبه، مع انها لم تبدأ هذه المظاهرات.

وهناك خلاف كبير في المفاهيم السياسية بين الاخوان وبين المجموعات المعارضة الاخرى مثل حركة 6 ابريل مثلا التي لا تريد دولة دينية. المشكلة ان الجماعات المعارضة التي تقود التظاهرات ليس لها رأس واحد، بل لديها عدة قيادات وزعامات لها وجهات نظر مختلفة.

لكن الحد الادنى الذي يوافق عليه الجميع هو رحيل مبارك وحل البرلمان، وبعدها تعديل الدستور والدعوة لانتخابات جديدة.

الاثنين 31كانون الثاني

احتشد اليوم عشرات الآلاف في ميدان التحرير، ويدعون كل من يقابلونه الى المشاركة في مسيرة مليونية غدا الثلاثاء. يستخدم الناشطون ابسط اساليب الدعاية، وهي رفع اللافتات التي تدعو للتظاهر، والاتصال بالقنوات الفضائية لابلاغ الناس بدعوتهم لمظاهرة حاشدة تثبت للنظام انهم لن يتراجعوا حتى يتنحى مبارك.

الاجواء جميلة بين المتظاهرين في ميدان التحرير. يتقاسمون الطعام والشراب، ويغنون احيانا ويخطبون احيانا.
يتعامل الشباب مع الفتيات المشاركات في الاحتجاجات بشكل راق، ولم اسمع من أي فتاة شكوى من التحرش الجنسي على الرغم من ان هذه الشكوى اصبحت شائعة في مصر.

الحكومة التي اعلنها مبارك استفزازية للغاية. اغلب الوجوه هي نفسها لم تتغير، وعموما المتظاهرون لا يهتمون بتغيير الحكومة لان مطلبهم هو تغيير مبارك، لا تغيير الحكومة.

لا اتخيل ان يتراجع المحتجون في ميدان التحرير، ولن ينفضوا الا اذا قرر الجيش ان يفض التظاهرات بالقوة، وهم ما يعني بحرا من الدماء، ولا اتصور ان الجيش المصري سيفعل هذا بابناء بلده.

الوضع الامني يتحسن بعد سيطرة اللجان الشعبية على اغلب المناطق في القاهرة. اما الاعلام الحكومي فيبالغ في الحديث عن المشكلات والفوضى ليثير الخوف بين الناس من فكرة التغيير. الاعلام الحكومي يواصل التضليل وكأن شيئا لم يحدث، وكل الامور في مصر تسير على ما يرام. كل هذا ليس مهما. المهم ان المتظاهرون يتمتعون بروح معنوية عالية، وسيواصلون احتجاجتهم حتى يتغير النظام، وتتغير مصر الى الافضل.

الأحد 30 كانون الثاني

تحدثت إلى الكثير من الشباب الذين يواصلون التظاهر في ميدان التحرير في قلب القاهرة وفي غيره من المواقع.

جميعهم يرون أن قرار مبارك بتعيين عمر سليمان نائبا له، وتعيين أحمد شفيق رئيسا للوزراء هو محاولة للالتفاف على مطالب الشعب.

وهم يقولون أيضا إن هذا الإجراء لايمثل أي تغيير حقيقي، وذلك لان كلا الرجلين، سليمان وشفيق، من حلفاء مبارك المقربين منذ سنوات طويلة. المتظاهرون يقولون إنهم مصرون على التظاهر حتى رحيل مبارك وإسقاط نظامه.

دارت مواجهات قاسية أمام وزارة الداخلية بين المتظاهرين ورجال الشرطة أسفرت عن سقوط قتلى وجرحى قبل أن يتدخل الجيش ويسيطر على وزارة الداخلية لمنع إراقة المزيد من الدماء.

الوضع الأمني لايزال متدهورا. هناك عصابات من البلطجية تواصل مهاجمة الأحياء السكنية ونهب المحال التجارية، ويتصدى لها الشباب من اللجان الشعبية التي تم تكوينها بكل حي للدفاع عنه.

عرفنا أن هذه العصابات تضم أفرادا من الشرطة السرية في مباحث أمن الدولة، وتضم بلطجية كان الحزب الوطني الحاكم يستأجرهم لتزوير الانتخابات. الآن تجوب هذه العصابات الشوارع ومعها سلاح الشرطة الذي استولوا عليه بعد مهاجمة مراكز الشرطة، وأحيانا سيارات الشرطة التي سرقوها.

هذا بالإضافة إلى هروب نحو 5000 سجين من سجن الفيوم الواقع جنوب غرب القاهرة، من بينهم 3000 سجين سياسي، وكل سجناء وادي النطرون بعد هجوم مسلح قام به أهالي السجناء.

هناك حالة من الخوف والقلق تسيطر على الناس. مثلا يتدافع الناس إلى الصيدليات لشراء الأدوية، خاصة التي يحتاجها بعض المرضى بشكل دائم، خوفا من نقصها في الأيام القادمة.

البنوك لم تفتح أبوابها، كما كان مقررا الأحد، وأغلب ماكينات الصرافة لا تعمل، الأمر الذي يعني أن السيولة بأيدي الناس بدأت تقل، وهو أيضا ما يثير قلقهم. شبكة الإنترنت لا تزال مقطوعة، ولا تزال بعض شبكات الهواتف المحمول لا تعمل.

لا أعرف كيف سيعود القانون بعد حرق الكثير من أقسام الشرطة وبعض المحاكم، بكل ما فيها من سجلات. كل ما يريده الناس الآن أن يسرع الجيش ببسط الأمن في مختلف المناطق وحماية المنازل والمحال من السلب والنهب.

السبت 29 كانون الثاني

الشرطة انسحبت بشكل كامل من مراكزها ونقاطها، بل حتى من الشوارع بحيث انني لم اشاهد اي رجل شرطة طوال اليوم. السيارات تسير في عكس الاتجاه بعد غياب شرطة المرور في منطقتنا، والمتظاهرون قسموا انفسهم الى مجموعات لحماية المحال والمناطق السكنية من اي هجمات يقوم بها اللصوص الذين هربوا من مراكز الشرطة.

لدى اغلب الناس شعور بالكراهية العميقة تجاه رجال الشرطة ومؤسساتها، فهي اداة النظام في قمعهم والسيطرة عليهم، ولهذا هاجم المتظاهرون اقسام الشرطة واحرقوا اغلبها، واحرقوا كل ما استطاعوا الوصول اليه من سيارات الشرطة.

الموقف مختلف تجاه الجيش الذي يحترمه الكثيرون، لكنه لا يستطيع السيطرة على عمليات السلب والنهب التي تتم حاليا. هناك مجموعات من المجرمين واللصوص، الذين لا علاقة لهم بالمظاهرات، تأتي من المناطق الفقيرة والعشوائية لتهاجم الاحياء الغنية نسبيا، وتقوم بنهب كل ما تستطيع الوصول اليه من مساكن او محال تجارية.

زميلي في العمل قال ان المبنى الذي يقيم به تعرض لهجوم من المجرمين المسلحين بالسيوف، والذين امروا السكان بالنزول من منازلهم والا تعرضوا للقتل، ثم نقلوا كل ما في هذه المساكن، امام اعين اصحابها، بعربات نقل ورحلوا.

والنتيجة ان هناك الآن شحا في المواد الغذائية لان كثيرا من محلات البقالة اغلقت ابوابها، والباقي يواجه طلبا كبيرا من المستهلكين. امضيت ساعات طويلة متجولا في الشوارع لاشتري بعض المواد الغذائية، وعدت بالقليل بعد مجهود كبير. نفس الشيئ بالنسبة لمحطات البنزين التي تقف السيارات امامها بالساعات. واحاول الآن تأمين المبنى الذي اقيم فيه ببوابات حديدة لمنع اقتحامه على ايدي اللصوص.

سوف تستمر الازمة الى ان يتحقق المطلب الوحيد لجميع المتظاهرين، وهو رحيل حسني مبارك. لا يمكن ان يقتنع الشباب الغاضب باقل من ذلك. طالبنا مبارك قبل هذه الازمة بحل البرلمان الذي جاء بالتزوير، واعلان انه لن يرشح نفسه للانتخابات الرئاسية القادمة، لكنه ابى. والآن يأبى الناس الا ان يرحل مبارك.

الخميس 27 كانون الثاني

هناك حالة من الترقب والقلق بين المواطنين في القاهرة انتظارا لما سيسفر عنه يوم الجمعة، حيث الدعوة لتظاهرات واسعة.

شركات كثيرة طلبت من موظفيها عدم الذهاب للعمل، كما طلبت من العاملين غير المصريين التزام منازلهم، وعدم الخروج حتى لا يتعرضوا لاي مشكلات. كما طلبت شركات كثيرة تأجيل أي زيارات من الخارج.

التحركات والاحتجاجات التي تشهدها مصر هي النتيجة الطبيعية لثورة الاتصالات، خاصة عن طريق شبكات التواصل الاجتماعي، من جهة، وشعور المصريين، وغيرهم من العرب، بضغط النظام السياسي عليهم من جهة اخرى.

النتيجة هي خروج آلاف من الشباب الى الشوارع، اغلبهم ليس لديه أي انتماء سياسي، وليس عضوا بأي حزب، للمطالبة بحقوقهم الاساسية من الحصول على عمل ودخل وسكن، بالاضافة الى انتخابات حرة ومشاركة حقيقية في الحياة السياسية.

ما اراه في مصر هو انتشار ثقافة المشاركة الفعالة، واستخدام شبكات التواصل الاجتماعي لتنظيم احتجاجات واسعة والتعبير عن المواقف السياسي، وذلك لان كل الوسائل الاخرى لتنظيم الاحتجاجات اما غير متاحة، او استخدامها غاية في الخطورة لانه قد يعرض صاحبه للاعتقال على ايدي اجهزة الامن وبسرعة قبل أي تحرك.

اثبت التاريخ ان التظاهرات والاحتجاجات غير العنيفة هي افضل الطرق لتحقيق التغيير. يجب الا يمنح الشباب الفرصة للسلطات لاتهامهم بالعنف او التخريب واعتقالهم.

اتمنى ممن يملكون السلطة في هذا البلد ان يحترموا حق المصريين في التعبير عن حقوقهم.

الوطن ليس مجموعة من رجال الاعمال فقط، ولكن ايضا جموع الشباب الذين يريدون العمل وتكوين اسرة، ويريدون ان تتعامل معهم السلطات باحترام.

اما ان تحسنوا مستوى معيشة هؤلاء الشباب او تتركوا مواقعكم لمن يستطيع ذلك