الكاتب : حسان عبه جي

من الصعب الحديث عن مصر من بعيد، فهناك أفق مستقبلي يقدمه المتظاهرون في كل تلك المدن، وربما ثقة جديدة بقدرة الأجيال القادمة على صياغة مستقبلها بعيدا عن النخب السياسية في أي مكان من العالم العربي، وأي مصري سيقرأ ما نكتبه اليوم أو مستقبلا ربما عليه أن يعرف مسبقا أننا لا نحلل أو ننظر بقدر ما نسجل ملاحظات لأنفسنا وليس لهم.

من جانب آخر فعندما نتحدث عن "معادلة داخلية" فإننا نحاول أن نفهم وسط سرعة الحدث نوعية التحول الذي يجري، ليس في السلطة بل على مستوى الشارع وذلك عبر الملاحظات التي نلتقطها من الفضائيات، سواء تلك التي فضلت البقاء في استوديوهاتها لاستقبال الأشخاص، أو تلك التي تصارع في الشارع وتجازف في الدخول داخل هذه "المعادلة الداخلية" الصعبة نوعيا، لأنها في النهاية معادلة غير متكافئة من الآليات على الأقل، وما يعكسه الإعلام يظهر هذا الاختلال ما بين القدرة على تملك الإعلام الداخلي، والانتشار الدولي الذي تمارسه محطات في الغالب ليست مصرية.

في عواصم العالم لا نكتشف وجود جالية مصرية فهو أمر معروف سلفا لكننا نفهم طبيعة ارتباط هذه الجالية مع وطنها، ولفترة من الزمن كنا نعتقد ان الأمر الطبيعي هو قدرة المهاجرين على الهروب من أزمات وطنهم، فهم يتحدثون عنها فقط، لكن الظرف الحالي استثنائي بكل المقاييس، سواء بالقدرة على استرجاع حالة كانت غائبة، أو بنوعية التفاعل الذي يظهر بالفعل وعيا غير مسبوق لنوعية الحدث القائم، وإذا كان الإعلام بشقيه السابقين يركز على مسألة "الرئيس المصري" أو حتى على "مفهوم النظام السياسي" والمطالبة بإسقاطه من قبل المتظاهرين، لكن الإعلام أيضا وعلى الأخص الموجود في الشارع يقدم حالة تتسم بأمرين: الأولى أن القوى المدنية التي كانت وراء الأحداث المصرية تقدم تطورا في الأداء السياسي، وبات واضحا أن "الآلية الافتراضية" التي استخدمها المنظمون في دعواتهم وتحركاتهم المستقبلية يمكن ان تنتقل بسرعة إلى "آلية واقعية"، مما يثبت أن هؤلاء الشباب موجودون بقوة في ساحاتهم الاجتماعية، وليسوا مجرد أسماء افتراضية تمارس هواية على الانترنيت.

السمة الثانية هوفي القدرة على الانتقال بخطوات سريعة في رسم ملامح التحرك، فالشباب القائمون على هذا التحرك أظهروا حالة إبداع تفوق "النخب السياسية"، سواء في رسم صورة ذهنية للثورة المصرية عبر تسميات خاصة لأيام التظاهر (جمعة الغضب، جمعة الرحيل، أسبوع الصمود...)، أو حتى في دفاعهم عن الجغرافية الخاصة بالتظاهر وهو ميدان التحرير الذي يشكل "رمزا" يفوق الرموز الشخصية التي تطرحها الثورات عادة، فهم لم يدافعوا فقط بشراسة عن هذا الميدان، بل واهتموا ببقائه كمكان للجميع وهو ما دفع لمظاهر هي من حقيقة المجتمع، كنوعية خطبة الجمعة التي أقيمت أمس عندما أصبح "الخطيب" يحمل مسؤولية المجتمع وليس "فئة" اجتماعية فقط.

درس اجتماعي حقيقي نلتقطه من المساحة التي قدمتها تلك الثورة ابتداء من "الشباب" الذين افتقدناهم طوال السنوات الماضية وانتهاء بعودة مصر إلى ساحة تنتج المشهد العربي.