الكاتب : زينب الدبس

على الرغم من سطوع صورة المشهد نفسه وسرعة تداعي الأحداث بالشارع المصري واتفاق الجميع على أنه لا استسلام ولا مفاوضات إلا برحيل حسني مبارك إلا أن انقسام وسائل الإعلام العربية بات جلياً بين مؤيد ومعارض على اختلاف التسميات (ثورة، إرادة، انتفاضة) الشعب المصري في الوقت الذي لا يمكن فيه عزل أي وسيلة إعلامية عن الظروف والأسباب التي أدت إلى إنشائها وفرضها العديد من التوجهات الفكرية والإيديولوجية عبر الجهات التي تمولها؟ وهنا يطرح السؤال نفسه هل يمكن إيجاد نشاط خاص لوسيلة إعلامية بالمعنى النسبي وليس المطلق، تستطيع معه تبني الآراء ووجهات النظر كأطروحات ليست نهائية وإنما كمقولات قابلة للاختبار، بعيداً عن الرؤى المطلقة التي تتراوح بين الأبيض والأسود، فيما تكمن أغلب الحقائق في اللون الرمادي.

ففي إطار الجدل الإعلامي، الذي شاهدناه بعد إغلاق مكتب قناة الجزيرة في القاهرة ووقف بثها على «النايل سات» وسحب التراخيص من مراسليها، بالرغم من المهنية الكبيرة التي لاحظناها في آنية نقل الحدث من قلب ساحة التحرير ومباركة القناة لهذه الثورة من خلال الأناشيد الوطنية التي تبث طوال اليوم على شاشتها، واستضافتها لعدد من المفكرون والسياسيون المطالبون بتنحية النظام كاشفين حجم تردي الأوضاع والفساد في مصر.

بالمقابل اعتبر بعض المراقبون إن قناة الجزيرة قامت بإثارة الرأي العام ونشرت أخباراً كاذبة للإثارة، بوقت يجب أن يكون الإعلام العربي موحداً وحريصاً على أمن مصر.

أما سياسة قناة العربية والقناة الأولى الرسمية للسعودية باتت واضحة ومغايرة تماماً لنهج الجزيرة فكلاهما جاهدا لتقزيم ثورة الملايين من شعب مصر ودافعا عن النظام، فقد ظهر موقف العربية حين خرج ما يزيد عن ثمانية ملايين مصري للشارع للمطالبة بإسقاط نظام مبارك بالوقت الذي اكتفت فيه بتسليط الضوء على حفنة لا تتجاوز العشرات من المتظاهرين وكانت نشرة الأخبار على القناة السعودية الأولى قد بثت خبراً ذكرت فيه أن الحياة قد بدأت تعود تدريجياً إلى طبيعتها في مصر, عقب انتهاء فترة حظر التجول الليلية التي استمرت من الساعة الثالثة عصراً حتى الثامنة صباحاً, فيما عزز الجيش من وجوده وسيطرته في مختلف المحافظات وذكرت القناة أن القاهرة بدت طبيعية بعد خمسة أيام من الاحتجاجات التي قُتل فيها 100 شخص!!! كل هذه التساؤلات دفعت إلى التشكيك في نزاهة القناة وخضوعها لمبدأ الموضوعية والمهنية، فالحياد والموضوعية في النشاط الإعلامي يعني احترام عقل المتلقي وعرض الأفكار والمواقف المختلفة بنفس الدرجة من الاحترام والصدق والنزاهة.

أما قنوات التلفزيون المصري حالها كمعظم القنوات الفضائية العربية التي عكست توجه حكوماتها، لأن أغلبها قنوات حكومية في النهاية، على الرغم من أن أخبار الانتفاضة شكلت جانباً كبيراً من أخبار هذه القنوات الفضائية ومعالجاتها الإعلامية.

أما الإعلام المحلي العربي لم يتأثر ولم يتفاعل مع الحدث الذي وصف بالحدث الكوني، والذي فرض نفسه على مختلف وسائل الإعلام العالمية بجميع أشكالها، وتعامل مع الحدث بطريقة متواضعة وخجولة وكأن "العرس لدى الجيران".

في الوقت الذي لعبت فيه مواقع التواصل الاجتماعي (الفايسبوك، التويتر) دوراً بارزاً في متابعة المجريات، واعتمادها كمصدر للمعلومات.

وعلى كل حال أننا أمام ظاهرة "الانفتاح الإعلامي" التي ما زالت تتوالى فصوله في العديد من الدول العربية منذ منتصف تسعينات القرن الماضي وحتى الآن، وسيحسب لقناة الجزيرة بأنها كانت بداية نهضة كبيرة في عالم الإعلام العربي، لعل ظهورها هو السبب الرئيسي في منافذ الحرية المتعددة التي أتيحت لإعلاميين في قنوات عربية أخرى بغض النظر عن تبنيها لأجندة سياسية أم لا.