الكاتب : حسان عبه جي

لا يمكن للإحباط أن يقدم مشهدا حيويا، ونقل المشهد المصري على أساس "تراكم" الإحباط يقع وسط حالة من التناقض في تفسير "الصورة العربية" عموما، فهو منقول من المحاولات السابقة لتحليل مظاهر مختلفة على امتداد العقود السابقة، وهذا الخلط هو الذي عبر عنه بعض المحللين الأمريكيين بشأن فهم "الدوائر الغربية" للشرق الأوسط عموما، فهو ليس حالة مسكونة باليأس بل مجتمعات متفاعلة مع العصر وقادرة على خلق حيويتها عبر أجيالها الشابة.

الخلط الحاصل ما بين تفسير ظاهرة الإرهاب حسب الدوائر الغربية والحالة المصرية أو التونسية أو هي مظهر حيوي آخر، دون أي يكون ثورة ضد نظام سياسي، يشكل نوعا من التفسير بناء على زاوية واحدة من علاقة "الغرب" بـ"الشرق"، حيث يبدو الاعتبار الأول لتوازن المصالح الاقتصادية التي تدفع في كثير من الأحيان لخوض حروب ضد الشرق، أما في أروقة المنظمات الدولية فهناك بحث دائم عن "معدلات النمو" وتحليل للأداء الاقتصادي وفق معطيات البنك الدولي، وأخيرا مراقبة شاملة لتوجهات حقوق الإنسان وفق المعيار الخاص الأوروبي أو الغربي، وهو معيار ليس سيئا بالضرورة، لكنه في النهاية يتعامل مع الموضوع ضمن منظومة ثقافية كاملة، بينما تمشي "المنظومة" الثقافية في العالم العربي بشكل مختلف.

بالتأكيد فإن المشهد المصري يقدم "الصورة الحيوية" وليس الإحباط، وكسر حاجز الخوف حسب تعبير "الصحف الأجنبية" تحديدا يتجاهل أن مسألة "التخويف" لم تنع عملية التفاعل لتلك الأجيال الشابة مع كل وسائل العصر وأفكاره، ولم تحد من معرفة الممكنات التي حركت الشارع المصري والتونسي، ففي النهاية نحن لسنا أمام تداع للأزمات بسبب أوضاع أو ظروف معيشية فقط، أو نتيجة عدم التقدير للدوائر في أوروبا والولايات المتحدة في تحديد المخاطر، فما حدث هو انخراط الشباب بزمنهم وصياغة معرفتهم، وهي قادة إلى ثورة في مصر، وربما تقود لتجليات أخرى في مجتمعات مختلفة.

نحن أمام تطور تجاوز مسألة "أزمة النظام المصري"، وربما قفز في العناوين الخاصة التي تظهر في الصحف حول مسألة الاستبداد أو الديمقراطية، لأن ما صاغته الأجيال الشابة حاليا يظهر أمرين:

الأول تحديد معرفة خاصة بمسألة المجتمع المدني، فشبكات التواصل الاجتماعي ربما لا تكون بديلا عن مؤسسات المجتمع المدني، ولكن هذا الأمر هو من زاوية أجيالنا التي تربت على "أنطونيو غرامشي" أو غيره من المفكرين، وبالطبع هذا الموضوع سار في منحى تصاعدي، وعلينا محاولة تتبع مظاهر المجتمع المدني في هذه اللحظة، لندرك أن اختلاط تلك المؤسسات مع السلطة السياسية في العالم تعطينا صورة ربما لم يكن غرامشي يتوقعها، وهذا ما دفع ظواهر مدنية جديدة تأخذ موقعا لها في العالم، ويكفي التذكير بأن آخر تجليات هو موقع ويكليكس على سبيل المثال لا الحصر.

الثاني ما قدمه جيل الشباب ليس تنظيما بالمعنى التقليدي، فهو "اتصال" واع لنوعية الظرف الذي يمر فيه، فعملية الرصد على الانترنيت تكونت كساحة تفاعل اجتماعي قبل أن يصبح ميدان التحرير مكان للحدث المصري الحالي، فالـ"تصال" هنا لم يكن تعبئة أو حوارا أو تبادلا للمعلومات بل تشكيل لعالم خاص بين الشباب يحاولون عبره فهم أنفسهم ومحيطهم، ولهذا السبب بالذات لم يكن هناك ضرورة لتنظيم سياسي كي يجمعهم أو يلغي التناقض بينهم، والانتقال إلى الواقع شكل تتابع لآليات سريعة أنضجت رؤية الشباب واختصرت ربما خبرات أحزاب كانت مضطرة دائما لعملية اتصال مناقضة مع مراكز القرار أو المرجعيات المعرفية والاجتماعية.

الأمرين السابقين يوضحان أنه بعكس "الحركات الإرهابية" التي ترصدها واشنطن، فإن الانترنيت هنا ليس أداة لإسماع العالم صوتا معينا، بل محاولة "استماع داخلي" بين الشباب وهم لم يشكلوا بديلا عن المجتمع المدني، إلا أنهم كونوا ظاهرة سيقوم علماء الاجتماع لاحقا بقراءتها ولا نعرف المصطلح الجديد الذي سيظهر.