الكاتب : ظافر الجنابي

حين نقارن بين احداث تاريخية , لاينبغي ان يغيب عن البال اختلاف الظروف والاحوال المحيطة بكل حدث تاريخي , والتي تفسر لنا اذا ما احسنا فهمها المسار الذي اتخذته الاحداث في كل حالة.

مانراه امامنا هذه الايام هي احداث تاريخية غير مسبوقة , نحن نشاهد التاريخ يصنع امام اعينا في ايام قليلة , وما حصل في تونس ومصر , وما يحصل في اماكن اخرى هي صفحات كانت تنقص تاريخنا , صفحات يحق لنا ان نفخر بها , وينبغي علينا ان نسجلها كملاحم خالدة تلهم الاجيال معاني الحرية والتضحية والثورة والارادة الشعبية .

لكن في كل الاحوال لاينبغي – في مقام التحليل – ان ننساق مع العواطف المجردة , دون محاولة التفكير الهاديء الذي يحلل الاحداث ويقارن بينها ويحاول التوصل الى نتائج و معطيات تساعدنا على محاولة فهم ما يجري من احداث تبدو احيانا عصية على الفهم , او على الاقل يصعب على التفكير ملاحقتها وفهمها بسبب تلاحقها وسرعتها .

نستطيع ان نقول ان هناك ثلاثة عوامل تحدد مقدار رضا الشعوب عن الانظمة الحاكمة لها , وبمقدار توفر هذه العوامل الثلاثة , بامكاننا ان نحدد مقدار رضا الشعوب و امكانية ثورتها .

هذه العوامل الثلاثة نستطيع ان نحددها بما يلي :

العامل الاول : هو مقدار الحريات والتمثيل السياسي الذي تمنحه الانظمة لشعوبها .

العامل الثاني : هو العدالة الاجتماعية بين الطبقات المختلفة من الشعب , ومقدار تمتع جميع الافراد بالحد الادنى المطلوب للحياة الكريمة , ويلحق به مقدار التهميش الذي تتعرض له فئات اجتماعية محددة على اساس عمري او جغرافي او اثني .

العامل الثالث : مقدار استجابة النظام الحاكم لتطلعات الشعوب المتعلقة بالكرامة الجمعية والقيم العليا للشعوب .

وبمقدار استجابة الانظمة الحاكمة لهذه العوامل الثلاث , يتحدد مقدار رضا شعب عن النظام الحاكم له , وامكانية ثورته لتغيير النظام , فاذا طبقنا هذه العوامل الثلاث على نظام مبارك مثلا , سنجد انه كان فاشلا على المستويات الثلاث , وهذا واضح من خلال احداث بارزة , توضح لنا هذا الفشل مثل تزوير انتخابات مجلس الشعب الذي يوضح الفشل على مستوى الحريات والتمثيل السياسي , وازمة الخبز على مستوى العدالة الاجتماعية , وتعامل نظام مبارك مع غزة في اطار فشله في الاستجابة لتطلعات الشعب المتعلقة بالكرامة الجمعية والقيم العليا , لذلك كان من المحتم ان يسقط هذا النظام ان لم يكن اليوم , ففي فترة لاحقة .

امر اخر نلاحظه في ثورتي مصر و تونس هو التلاحم الوطني والتجانس بين مختلف الفئات والطوائف المكونة للشعب , وهذا التجانس لايتعلق فقط بعدم وجود اختلافات طائفية – كما في حالة تونس – مثلا , ولكنه يتعلق بمقدار تجاوز هذه الاختلافات , وعدم التوقف عندها في سبيل غاية وطنية اكبر رغم ان هذا لا يعني ان هذه الاختلافات والفوارق لايمكن ان تتفجر في مرحلة قادمة .

في الحالة التونسية مثلا , نجد ان تونس هي بلد متجانس تماما من الناحية العرقية والطائفية مع غالبية عظمى عربية مسلمة سنية على المذهب المالكي , ولكن حتى هذا لاينفي امكانية حدوث انشقاقات على اسس ايدلوجية بين الاسلاميين والعلمانيين , كما حصل قبل ذلك في الجزائر التي تشارك مصر في صفة التجانس العرقي والطائفي , والتي حصلت فيها اسوأ المذابح بين اسلاميين وعلمانيين , وفي مصر مع غالبية عربية مسلمة سنية واقلية قبطية تم تجاوز هذا الانقسام , كما تم تجاوز الانقسام الايدلوجي ليكتب لنا ملحمة تاريخية تثير الاعجاب .

اذا الاختلاف الطائفي والاثني والايدلوجي يفرق بيننا بمقدار ما نعلق عليه من اهمية , وبمقدار ما نركز عليه , وتقل اهميته حين نتجاوزه في سبيل غاية اكبر تتعلق بانتماء اوسع واشمل .

اذا مضينا مع محاولة ملاحظة الانقسامات في دول اخرى تشهد انتفاضات , نجد ان ليبيا مثلا هو بلد متجانس تماما من النواحي العرقية والطائفية وربما حتى الايدلوجية , لذلك هناك فرصة كبيرة للنجاح , والاختلاف الذي يخشى عليه في الحالة الليبية هو اختلاف على اسس عشائرية او مناطقية ربما .

في اليمن , ورغم الانقسام بين السنة في الجنوب والشيعة الزيدية في الشمال , فان هذا الانقسام تم تجاوزه فيما يبدو , لاننا نلاحظ الاحتجاجات في الجنوب والشمال , في صنعاء وعدن , لذلك هناك فرصة لا بأس بها في ان تحقق هذه الاحتجاجات هدفها في اسقاط النظام.

في البحرين نجد ان هناك انقسام طائفي , ونجد ان المحتجين ينتمون بشكا اساسي الى الطائفة الشيعية , لذلك فان نجاح هذه الاحتجاجات في تحقيق اهدافها , سيبدو كانه انتصار لطائفة على اخرى , وهذا ما يقلل من حظوظ هذه الحركة في النجاح .

حالة البحرين تشبه الى حد ما الحالة العراقية , فعقب هزيمة نظام صدام في الكويت عام 1991 , اندلعت في العراق انتفاضة شملت معظم المحافظات العراقية , ولكن هذه الانتفاضة رفعت شعارات طائفية ما ادى الى اثارة مخاوف السنة ودفعهم الى الوقوف الى جانب نظام صدام , الامر الذي ادى الى انقاذ هذا النظام وبقائه لسنوات اخرى , مع ملاحظة ان الاحتجاجات في البحرين لاترفع اي شعارات طائفية .

العلاقة بين الشعوب والانظمة علاقة معقدة , وهي الان دخلت مرحلة جديدة شبت فيها الشعوب عن الطوق , وخرج المارد من قمقمه , ما يفرض وجود قواعد جديدة تحكم هذه العلاقة , لعل ابرز ملامحها وجوب مبادرة الانظمة الى العمل على محاولة الاستجابة لحاجات الشعوب وتطلعاتها , وادراكها ان القبضة الامنية لم تعد كافية في الحفاظ على الانظمة وضمان استمرارها .