الكاتب : ربى الحصري

مسألة قانون الطوارئ في سورية باتت محسومة من جانب رفعه، أو وضع "خارطة طريق" لإلغائه، وهو أمر أثار جدلا مختلفا مرتبطا بأحاديث حول "قانون مكافحة الإرهاب"، وهذا الأمر يظهر للبعض على أنه "تعويض عن رفع حالة "الطوارئ"، بينما يجد آخرون أنه حل نتيجة الظروف المحيطة بسورية سواء ما يتعلق بمسألة الصراع مع "إسرائيل"، أو حتى لمجاراة واقع دولي له علاقة بالإرهاب على الأخص في ظل وضع مضطرب في العراق.

المحاكاة التي يسوقها البعض لموضوع مكافحة الإرهاب مرتبطة بدول ديمقراطية تطبيق مثل هذا القانون وعلى الأخص الولايات المتحدة، وشهدت الأعوام الماضية جدلا واسعا في هذا الأمر لأن "انتهاك" الكثير من الحقوق جرت في ظل هذا القانون، لكن المسألة وفق المقياس الذي جرى في المملكة المتحدة على الأقل لا علاقة له بالنص القانوني بل بقدرة المؤسسات المدنية على التعامل معه، بل وحتى عدم تركه ليرسم خطوطا قانونية تتسرب إلى المجتمع.

بالتأكيد الوضع في سورية سيبدو مختلفا، فرفع حالة الطوارئ هو أيضا ليس إجراء قانونيا فقط، فبعد أربعة عقود هناك ثقافة حكمت معظم المؤسسات ودستور وضع وتم الاستفتاء عليه في ظل هذا الواقع، وهناك تأسيس كامل اقتصادي واجتماعي وسياسي تم متكيفا مع "حالة الطوارئ"، وفي النهاية فإن أجيالا كاملة ربما لا تعرف الفارق بين رفعه وبقائه على تفاصيل حياتها، فالعناوين كثير لكن في نفس الوقت فإن التفاصيل هي المتعبة وهي الأكثر حضورا لأنها مرتبطة بالشريحة الأوسع من الناس، فعندما يتحدث بعض الناشطين عن أن هذا الرفع سيزيل على سبيل المثال مسألة "منع السفر" فهم محقون، ولكن كم من الشرائح السورية تستطيع السفر، وكم منها تم منه من ذلك، فالحقيقة الكامنة وراء "المنع" مرتبطة بالجهات القانونية وهو ما سيواجهه الناس أي عودة المرجعيات القانونية بدلا من "المرجعيات الأمنية" أو غيرها من المؤسسات.

هذا المثال يقدم صورة واحدة عن الثقافة التي يمكن أن تواجه الفارق ما بين قانون الطوارئ و "مكافحة الإرهاب" أو غيرها من المسميات التي غايتها تبدو دائما حماية الناس، لكنها تنمو وسط ثقافة مشتتة ربما لا تعرف موضوع فصل السلطات أو استقلالية القضاء، وهذه الزاوية هي الجانب الهام التي يمكن للسورين العمل عليه بعد أن يتم حالة رفع الطوارئ، فالنص القانوني يبقى مجرد "حدود" يتعامل معها التفكير البشري، وما يضمنه الدستور والقوانين من حقوق تذهب سريعا في ظل ثقافة يغيب عنها الجانب الحقوقي لصالح ظواهر أخرى.

المسألة اليوم ربما تصب في قدرة الحقوقيين السوريين بالدرجة الأولى على تحقيق نشاط فعال حتى يمكنوا الإجراءات ويضعوها في إطارها الصحيح، كما أن الثقافة المدنية تحتاج بالفعل إلى الدخول لصلب أي إجراء تتخذه القيادة السورية إن نجاح الإجراءات لا يتعلق فقط بجؤأة النص بل باستجابة الناس له والتفاعل معه.