الكاتب : ربى الحصري
إذا تم تجاوز المرحلة الحالية ولو بعد أعوام فإن المنطقة العربية، ربما تراجع على الأقل الصورة الإعلامية التي تم نقلها خلال تلك المرحلة، فما يحدث اليوم يبدو غريبا لأنه وربما لأول مرة تقف الفضائيات الإعلامية أمام استقطاب له علاقة بمسائل داخلية في كل دولة عربية، وليس في مواجهة سياسات عامة دولية أو إقليمية، ففي السابق كان هناك نوع من اللالتزام بعدم الدخول في تفاصيل الحدث الداخلي أو حتى اتخاذ موقف "منحاز" تجاه طرف ضد آخر.
في حرب تموز أو في مرحلة احتلال العراق كان المشاهد قادر على تبرير مسألة الانحياز، وربما عدم الموضوعية، فهناك انحياز تجاه "مزاج المشاهد" إضافة لوجود طرف "آخر" مثل الولايات المتحدة أو "إسرائيل" جعل العملية الإعلامية أقل تعقيدا وقادرة على خلق حالة فرز بسيطة وأولية، ولكن ماذا عن التعامل الإعلامي اللاحق في مصر مثلا أو ليبيا أو حتى سورية؟
السؤال لا يطرح من منطق سياسي، فالقضية ليست انحيازا "لتطلعات الشعوب"، ومرة أخرى ظهر الوضع في مصر وتونس أقرب إلى "مزاج المشاهد" وساعدت سرعة الحدث في حسم مسألة التغطية، ولكن ماذا عن لبيبا حيث أصبحت إحدى القنوات "رمزا" يُهتف لها وأخذت أبعادا تقع خارج المهمة الإعلامية؟
مرة أخرى علينا التأكيد أن البحث في الموضوع الإعلامي لا علاقة له بالموقف السياسي، وانتقاد التغطية أو التعامل لا يعني عدم النظر لطبيعة التحولات في المنطقة واعتبارها حقا من حقوق المواطنين في كل بلد، لكن في الإعلام سيظهر المشهد خارج المهام ويوحي أحيانا بأجندات إقليمية أو حتى دولية، فرايات التحرر ليست من مهام الإعلام وربما يذهب العقل العربي بعيدا في رسم هذه المسألة بشكل يجعل من مهمات الصحفيين جزء من عمليات التغيير السياسي، لكن عندما تطول مراحل التحول أو تتعقد كما حصل في اليمن وليبيا وحتى البحرين، أو حتى تأخذ موقعا متداخلا ومركبا كما في سورية، فإن الإعلام سيجد نفسه في موقع متعثر فهو لا يفقد مصداقيته لكنه يعجز عن تقديم "رسالة واضحة".
على ما يبدو أن وسائل الإعلام العربية تملك "رهانات" أكثر من كونها تتبع أجندات، فبمقارنة بسيطة مع BBC العربية على سبيل المثال نلاحظ عدم نقصان الجرأة في التغطية، لكنها في نفس الوقت تملك مساحة أوسع في إيصال الرسالة الإعلامية لأنها ليست جزء من معركة الحدث الحالي، وربما لا ترضينا تغطيتها للكثير من الأحداث إلا أنها على الأقل لم تقدم انحيازا كاملا لطرف دون آخر.
صحيح أن مسألة الانحياز هي مثار جدل دائم في الساحة الإعلامية، لكن هناك حدود داخلها نادرا ما يتم تجاوزها، فطريقة التحرير انحياز وأسلوب الإبارز للأخبار انحياز، لكن كل الأساليب لا تسمح لطرف إعلامي أن يصبح طرفا في أي حدث ضد طرف آخر... وللحديث بقية...