الكاتب : ميليا عيدموني

ما من شك أن للشباب العربي دور كبير في عملية النهوض وتطوير المجتمع، ومن المؤكد أن بعض الدول مازالت غير مؤمنة بالطاقة والإمكانات الموجودة لدى شبابها ودرجة ’وعيهم’ بما يحيط بهم على مختلف الأصعدة.

من الواضح أن المشاكل التي تقض مضجع الشباب العربي واحدة من المحيط إلى الخليج، وإن تفاوتت درجاته، ويمكن اختصارها بضعف مستوى التعليم في بعض الدول العربية وغياب فرص العمل ما أدى إلى ازدياد نسبة العاطلين عن العمل بين فئة الشباب، وسعيهم المستمر إلى الهجرة، إضافة الى المشكلة الأكبر عدم اعتراف الأنظمة العربية بدور شريحة مهمة من مواطنيها، في رسم ملامح المستقبل القريب، مما يعوق الشباب عن المشاركة السياسية والاجتماعية، نظراً لغياب حرية التعبير أو انخفاض سقفها في بعض الدول.

إلا أن الثورات التي هزت عرش الأنظمة العربية القمعية مع بداية العام الحالي ومازلت،كان لها الأثر الأكبر في إحداث نقلة نوعية لطريقة تعاطي هذه الأنظمة مع شباب بلدانها؛ من خلال الاستماع إلى مطالبهم وتنفيذها، وخير مثال على ذلك شباب الثورة المصرية والتونسية الذين تمكنوا من إحداث تغيير ديمقراطي، سلمي و’بأقل’ الخسائر البشرية الممكنة، عبر طرح برنامج ومطالب سياسية واجتماعية واضحة لا تحيد عن دفاعهم قبل كل شيء عن الحرية والكرامة ومحاربة الفساد.

في سورية لا يبدو الوضع مختلفاً من ناحية المشاكل التي تواجه الشباب سواء من ناحية البطالة، غياب فرص العمل المتكافئة و زيادة نسبة الفقر على حساب الطبقة الوسطى، والأهم من ذلك، أكثر من ثلاثة أجيال ترعرعت في ظل قانون طوارىء شلّ الحريات العامة في البلاد، وأدى لتغييبهم عن المشاركة في الحياة السياسية والمدنية.

والبرامج التي قدمت على أساس إيجاد حل ومعالجة مشاكل الشباب من تأمين سكن شبابي وقروض صغيرة، لم تفلح ولم نشهد لها نتائج ملموسة على أرض الواقع، لا بل يمكن اعتبارها بالونات هواء وذهبت أدراج الرياح.

شباب واعي وإعلام غائب عن الوعي

خلال الاحتجاجات الشعبية التي تشهدها سورية راهن الإعلام الرسمي على ’وعي’ الشباب السوري بصدّ كل محاولات زعزعة استقرار وأمن البلاد، ووأد الفتنة من جذورها ـ حطمت القنوات السورية الرسمية والخاصة الرقم القياسي بتكرار كلمتي الشعب الواعي والشباب الواعي’ـ لكن لم تحاول أي منها استضافة بعض من هؤلاء الشباب ’الواعي’ ومناقشتهم بالأوضاع الحالية، لطرح أفكارهم وآرائهم جنباً إلى جنب مع المحللين ’المخضرمين’، مكتفية باستقبال الاتصالات وعرض ريبورتاجات’عفوية’ من الشارع لاستطلاع آراء الناس حول قانون الطوارىء، الأمن، الآمان، الفتنة الطائفية، الحرية والفساد، هذه التقارير ’اللاواعية’ أقل ما يمكن القول عنها أنها قدمت صورة سيئة عن شبابنا ’الواعي’ بعد أن أظهرتهم بصورة الجهلة لما يعنيه أن تعيش البلاد تحت’ قانون الطوارىء’ عندما يجيب أحدهم ’في حال رفع قانون الطوارىء مين رح يرد علينا بمؤسسة الكهرباء؟!’، وإحداهن تجيب مستغربة ’ما هو قانون الطوارىء؟ لم اسمع به، بس بعتقد ما بيتناسب مع دولة متحضرة’.

قبل الاحتجاجات الشعبية في سورية كان عدد البرامج الموجهة للشباب في وسائل إعلامنا الرسمي لا بأس بها، كماً وإن اختلفنا على المضمون؛ اليوم و مع الدعوات لحوار وطني بين فئات المجتمع،غُيبت هذه البرامج لصالح أخرى لا تقدم ولا تؤخر في اللحظة الراهنة، لا بل تزيد الطين بلة عبر تسخيفها في بعض الأحيان للمطالب الشعبية في بعض المحافظات.

لا للفوضى نعم للحرية

بعيداً عن الإعلام الرسمي، فتح الشباب السوري باباً لمناقشة الواقع الراهن، والمتابع لصفحات المواقع الاجتماعية والمدونات السورية سيكتشف ’الوعي’ الحقيقي للشباب عبر طريقة تعاطيهم الجدية مع الحدث السوري ومعالجتهم لكل أبعاده سياسياً اقتصادياً واجتماعيا، رافضين الفوضى ومحاولة جر البلاد إلى فتنة طائفية، مؤكدين على مطلب أساسي وهو الحرية.

يبدو أن الاحتجاجات الشعبية التي تشهدها سورية، دخلت منعطفاً جديداً، بعد أن شهد حرم جامعة دمشق حراكاً شبابياً هو الأول من نوعه، طالبوا خلاله بالحرية، وحيوا شهداء سوريا الذين سقطوا خلال الأيام الماضية.
مطالب الشباب السوري التي ظهرت على صفحات الفيس بوك خلال الأيام الماضية تتقاطع وبشكل كبير مع المطالب الشعبية التي نادت بها باقي المحافظات، ولكن الاختلاف الأبرز هو جودلتها بإطار زمني وتقسيمها لمطالب معيشية اقتصادية لا بد من معالجتها بشكل جذري، بعد أن عرّضت سورية لأزمة مجتمعية عميقة.

ومطالب ديمقراطية منها: رفع حالة الطوارىء والأحكام العرفية وعدم وضع أية قوانين تقيّد الحريات العامة، تعديل الدستور وإلغاء المادة الثامنة منه لكي يعبّر عن التوق لتأسيس دولة مدنية حديثة تنطلق من مبدأ المواطنة.

ولم ينس الشباب التأكيد على رفضهم أي تدخل خارجي مهما كان شكله ومبرراته فيما يتعلق بالحقوق والخيارات، وأنهم ’ الشباب السوري المنادين بهذه المطالب، نؤكد على أننا والشعب السوري،الطرف الوحيد المعني بهذه التغييرات، وليس أي طرف آخر’.

فهل سنشهد خلال الأيام القادمة تحركاً ملموساً نحو الشباب، وفتح باب الحوار معهم لا قمعهم واعتبارهم فئة ’مغرر’ بها ضلت طريقها، وهل ستأخذ الحكومة العتيدة ’شبابية التفكير’ هذه المطالب بعين الاعتبار وتضعها على قائمة الأولويات؟.