الكاتب : ربى الحصري

بالتأكيد لا نستطيع تحييد الإعلام من الحدث السوري، وإذا كنا نريد البحث فإن الصور التي تبث تقفز بسرعة، ورغم ان الإعلام السوري في حملته المضادة حاول فضح بعض المشاهد التي تم بثها، لكن علينا الاعتراف أن رد الفعل الأول هو الرهان الأساسي في مسألة الإعلام، وبعدها ليس مهما ما سيجري أو حتى الاعتذار عن أن الصور التي بثت خاطئة أو حتى أن الأخبار كانت مغلوطة.

الإعلام الحديث لا يعترف إلا بمقدار ما يقدمه في المشهد الأول، حيث يبدو التحليل بعد ذلك ضعيفا أو مبتسرا أو حتى منساقا وراء الصورة، وفي الظرف الحالي لم يعد ممكنا تطويق "الصورة" حتى ولو كانت مشوهة أو مركبة أو تم التقاطها في مكان آخر، وربما يعتبر هذا الأمر ضمن "الحرب الافتراضية" لكنه في الواقع حالة مفروضة لا نستطيع إيقافها أو استيعاب نتائجها حتى ولو قمنا "بكشف" طريقة عملها، فصعوبة الحل تأتي من التداخل الذي تحدثه الصورة داخل الرأي العام.

ما قامت به الصورة يحتاج في هذه اللحظة إلى التوقف قليلا، فمسألة الرأي العام في أوروبا أو أمريكا لم أكن أراها شأنا مهما، فهناك نخب سياسية تكتب وتٌصرح ولكنها في النهاية تقود التوجهات السياسية، بينما يبقى الشارع العام بعيدا نوعا ما عن التأثيرات كونه لا يهتم كثيرا بالسياسات الخارجية إلا في اللحظة التي تتقاطع فيه مع مصالحه، ولكن في هذه اللحظة فإن الأمر مختلف فالصور دفعت الأمور إلى الصدارة، فهناك "صورة" يتم تشكيلها حول سورية، وهي ليست بعيدة عن الصورة التي تم تشكيلها حول "إسرائيل" خلال حرب غزة، فما يحدث يحاول بناء صورة سورية موازية لتلك التي ظهرت حول "إسرائيل" رغم اختلاف الظروف والمعطيات وحتى الحقائق.

هذا التدفق بالصور الذي يصب في موقع اليوتوب يترافق في الحالة السورية مع حالة تؤدي للإرباك أيضا، فليس هناك تقود حملة إعلامية منظمة في وقت غابت فيها الحكومة بعد أن استقالت منذ أكثر من أسبوعين، وما يبثه التلفزيون السوري لا يجد طريقه باتجاه الفضائيات الغربية غير الناطقة بالعربية لأنه لا يترافق مع حراك سياسي رسمي على الأقل، ففي مثل هذه الحوادث غالبا ما ينتظر الرأي العام في أوروبا على سبيل المثال "مؤتمرات صحفية" ومواقف رسمية معلنة من جهات ذات مسؤولية، فهدا الغياب جعل فضاء اليوتوب مصدرا أساسيا لمعظم المحطات.

كنت دائما من أنصار لا تبحثوا عن صورتكم في الخارج لأن بناءها لا يتم إلا عبر التماسك الداخلي، ومازلت مصرة على هذا الأمر لكن ما يحدث اليوم ليس فقط حملة إعلامية من محطات عربية، وأنا لا أنكر هذا الموضوع أو انفيه فهو يحتاج لبحث آخر، لكنه في كثير من جوانبه يكشف "فراغا" حقيقيا وعدم وجود تراكم في العمل الإعلامي داخل مختلف المؤسسات السورية، فالمسألة اليوم ليس مرتبطة فقط بالصورة في الخارج بل أيضا ببناء يظهر يحاول أن يضع دول الشرق الأوسط على سياق واحد، وهو سيرتد حتما على الفعل السياسي العام المرتبط بالموضوع الفلسطيني على سبيل المثال، لأنه سيخلق شكلا نمطيا داخل الرأي العام لا يساعد على التحرك السياسي.

بهدوء وقلق على سورية علينا أن نتحرك ليس وقف تحميل الأشرطة على اليوتوب فهو أمر مستحيل، بل لعدم السماح لمثل هذه الصورة النمطية بالاكتمال دون أن نقدم تكوينا بديلا.