الكاتب : حسان عبه جي

ارتفعت أمس حدة الأصوات الدولية تجاه ما يحدث في سورية، وذلك في ردة فعل أولية على دخول الجيش إلى مدينة درعا، وفيما لم تسجل حوادث أمنية "مؤكدة" إلا أن "مسألة الحل الأمني" شغلت المساحة الأكبر من الحدث، حيث برز الموقفان التركي والأمريكي الداعيان إلى وقف العنف، في وقت صعدت فيه الولايات المتحدة باتجاه عقوبات لم تحددها، وطلبت من رعاياها مغادرة سورية وقلصت حسب بعض المصادر من بعثتها الدبلوماسية.

الدول الأوروبية اتجهت أيضا نحو مسار جديد من خلال المحاولة لإصدار بيان من مجلس الأمن، ورغم أن التصريحات الأوروبية أكدت على أن الأمر لن يصل إلى المسار الذي سارت عليه الأمور في ليبيا، لكن مصادر اعتبرت أن المواقف الأوروبية مازالت "مترقبة"، وهي لم تبلور اتجاه تحركاتها المستقبلية، ورأت نفس المصادر أن الموقف الأمريكي سيكون العامل الحاسم في هذا الأمر، لأن الاختلاف الحاصل في ليبيا بشأن "تكنيك" التعامل مع الحظر الجوي والضربات الجوي، ألقى بظلاله على كل المواقف اللاحقة بما فيها الموقف من الحدث السوري.

داخليا كان التطور الأهم هو توقيع مثقفين وصحافيين في الداخل والخارج (حوالي 102 توقيع) يدين «حملة القمع الدامية على المحتجين»، ويأتي هذا البيان في ظل بحث حقيقي عن "الحراك الثقافي" الذي بقي منزويا نسبيا ومكتفيا بمقالات الرأي التي ظهرت سواء داخل الإعلام السوري أو العربي، وهو أيضا الحراك الأول الذي يتم بأن أن أصدر بعض الفنانين وكتاب الدراما والمثقفين بيانات بعد أحداث مدينة اللاذقية، وفيما يبدو المشهد السوري غارقا ما بين الحدث الأرض والمتابعة الإعلامية فإن مسألة ظهور بيان طرحت جملة نقاط حول موقع النخب الثقافية السورية التي ظهرت شريحة منها داخل البيان الأخير، لكن حراكها على الأرض مازال ضعيفا.

عمليا فإن السيناريوهات القادمة لن يرسمها المثقفون، على الأخص أن مسألة الحل الأمني أخذت مساحة لا بأس بها من التصور العام سواء في الإعلام أو حتى في رؤية الشارع السوري لتطورات ما يحدث، على الأخص أن الحدث السوري لا يبدو مستقلا عن جملة الحراك الإقليمي، والاتجاه الأقوى اليوم أن مسألة ردود الفعل الدولية ربما لن تغير من المعادلة الأرض، فهي تسير ضمن خط تقليدي خبرته دمشق قبل سنوات بعد اغتيال رئيس الوزراء اللبناني الأسبق رفيق الحريري، بينما يرى بعض المراقبين أن مسألة العقوبات ومجلس الأمن ستبقى ضمن إطار ضيق نظرا لطبيعة ما يحدث في سورية ولنوعية الأزمات المحيطة بها، فالاختبار الأساسي يبقى منصبا على نقطتين أسايتين:

الأولى اعتبار أن "الحل الأمني" لا يشكل مبادرة بحد ذاتها بقدر كونه بسط لسيادة الدولة، على الأخص في منطقة حوران التي تعتبر منطقة تواجد عسكري نتيجة متاخمتها لجبهة الجولان، فمسألة دخول الجيش إلى درعا يمكن تبريره بأشكال مختلفة ظهر بعضها في وسائل الإعلام، لكنه في النهاية يعبر عن طبيعة الاحتكاك الذي سارت عليها الأمور على الأخص في الأسبوعين الأخيرين، حيث بدت الدولة وكأنها خارج مسرح الحدث في المدينة.

الثاني ضرورة أن لا تأخذ مسألة الإصلاح السياسي الحل الأمني وكأنه نهاية المطاف، وهذا الأمر سيشكل الاختبار الأساسي للوضع السوري إجمالا، لأن المسار السياسي هو الذي يؤدي في النهاية إلى الخروج من الأزمة وإدخال فعالية حقيقية على الأرض تعطي لمسألة التظاهر بعدا حقيقيا خارج إطار العنف أو الاحتكاك المباشر مع القوى الأمنية.

بالتأكيد الأزمة لن تمر بشكل سريع والتطورات الدولية بخصوصها تطفو الآن على سطح الحدث لكن العمق الحقيقي هو داخل الشارع السوري، وفي طبيعة التحركات الحكومية المقبلة على الأرض.