الكاتب : ربى الحصري

يصعب علي التفكير بقانون للأحزاب على سياق أي قانون آخر، سواء صدر في سورية أو غيرها، فمسألة الأحزاب السياسية تشكل نوعا من الحيوية التي تخص المجتمع بالدرجة الأولى، وهو ما يجعل مسألة "القانون" نوعا من تجاوز الحالة الطبيعية للبشر الذي يشكلون آلية جمع مصالحهم وفي تشكيلات، لكن رغم ذلك فإن مسألة "القانون" تبدو ضرورية في ظل تعقد مهام الدول ومصالح المجتمع.

في نفس الوقت فإن مثل هذا القانون ربما سيشكل تجربة تحتاج بشكل دائم لإعادة نظر وقراءة وحتى تفكير من قبل المجتمع عموما، وتأخر صدوره في سورية لا يمكن أن يغفل أن المراحل السابقة حملت نوعا من اختلاف المهام بالنسبة للأحزاب الموجودة داخل الجبهة أو تلك التي تعمل خارجها لو بشكل غير قانوني، ففي كلا الحالتين تبدو المهام الحزبية محصورة ومقيدة نظرا لشروط الحياة السياسية التي كانت قائمة، ومن هذه الزاوية بالذات فإن قانون الأحزاب سيكون تجربة، أو خطورة مبدئية تحتاج إلى مراحل زمنية يظهر فيها تعديلات متوالية على نفس القوانين.

ما أحاول أن قدمه ليس تنبؤا بل ربما "استعجالا" لظهور مثل هذا القانون، لأنه سيحرك بشكل تلقائي الحياة السياسية، سواء عبر إيجاد تشكيلات جديدة، أو قراءة القانون بذاته والخروج باجتهادات متناسبة مع الظروف السياسية والاجتماعية السورية، وإذا كان التفكير هو في تأخير ظهور القانون حتى يبدو "متكاملا" فاعتقد أن هذا الموضوع يدخل ضمن مسار صعب لسببين:

الأول أن مسألة قانون الأحزاب سيكون متناسبا مع حيوية الحياة السياسية، لذلك مهما كان شكله أو توافقه مع المعاير القانونية الحديثة، فإنه في النهاية سيخضع لاختبار الحياة السياسية نفسها، وهو أمر يستدعي المراجعة الدائمة وربما التخلي عن الشروط القاسية لإصدار مثل هذا القانون.

الثاني أن المجتمع السوري سيتعامل مع واقع سياسي جديد في ظل مثل هذا القانون، وتحديد مصالحة سيشكل المعيار الأساسي لنوعية الأحزاب التي يمكن أن تظهر أو ربما تتطور الأحزاب القديمة لتستطيع استيعاب المستجدات على الصعيد الاجتماعي والثقافي والسياسي.

الثالث أن قانون الأحزاب ليس منفصلا عن بيئة متكاملة من الحياة الاجتماعية عموما، فالتشريعات التي يمكن ان تخدم مثل هذا القانون مرتبطة أساسا بالتنظيمات الإضافية للمجتمع المدني الذي سيجد نفسه أمام مهام مختلفة تخلق فرزا في مسألة المصالح بشكل يدعم الحياة السياسية عموما.

الحياة الحزبية السورية لا يمكن النظر إليها فقط من زاوية قانون الأحزاب، لكن ظهوره سيحدد البيئة التي سيتشكل فيها الحراك السياسي وبالتالي "الحياة الحزبية" الجديدة، وعندها يمكن الحديث عن حوار وطني واضح المعالم وربما عن قانون انتخابات متناسب مع الواقع السياسي، فانتظار قانون الأحزاب حتى في ظل مواد دستورية يعترض عليها البعض ضرورية، لأن الحياة الحزبية هي القادرة على طرح الآراء والأفكار تجاه أي أزمة، وليس اعتماد شكل واحد من الاعتراض أو الاحتجاج.. أي التظاهر... قانون الأحزاب ربما يشكل الخطوة الأولى للخروج باتجاه إصلاحات يقوم المجتمع بإنجازها وليس مؤسسات الدولة فقط .