الكاتب : ربى الحصري

الانتقال إلى الوطن لا تحفه المخاطر بالمعنى التقليدي، ولكن على ما يبدو أن مسألة "الزيارة الاعتيادية" تحمل معها نوعا من الرهبة، كتلك التي تداخل أي إنسان عندما يواجه واقعا جديدا، فربما اعتدنا على سورية التي يمكن أن نسافر إليها مرارا دون الشعور بأنها معنية إلا بنفسها، أما ما جرى خلال ثلاثة أشهر فهو رسم لها استحقاقاتها الجديدة، وذلك بغض النظر عن "الصور السياسية" التي ينقلها الإعلام الغربي.

شخصيا لست من هواة المتابعات الإعلامية، وعندما أشاهد المحطات فإن غرضي الأساسي يكون في درس ظاهرة إعلامية لا أكثر، وأخبار الوطن استطيع الوصول إليها دون حاجة لسماع آلاف التقارير التي تبثها المحطات العربية، بينما تكتفي المحطات الأجنبية بتغطيات متفرقة، والمشكلة بالنسبة لي اليوم لا تتعلق بالمعلومات أو بصحتها فهي لم تعد مهمة بقدر أهمية "التشكيل السوري" الذي أخشى أن يطفو على سطح الحدث، فمن كل الدفق الإعلامي المستمر هناك أمرين أساسيين:

الأول هو الشكوك التي انتابت السوريين بأنفسهم نتيجة الحدث، فحتى اللحظة لم تصلني ورقة لها اهمية بشأن نوعية التوافق القادم، فكل الطيف المعارض يعرف "ما يرفضه" لكنه لا يملك تصوره لمسار الأحداث أو كيف يريدها، والمرعب أكثر كان ما وزع حول بيان التنسيقيات الداخلية التي حملت معها بندين غريبين تضع شكوك حول ان تلك التنسيقيات تعرف تماما ما يحدث على الأرض أو حتى تعي نوعية "المؤسسة" التي تدعي إنها تريد إسقاطها. فأن يدعى الجيش لتسلم السلطة في المرحلة الانتقالية يدعو إلى نوع من الطريقة التي عبرها ابتداع مثل هذا الحل، في الوقت الذي يقوم به الجيش بعملياته في مناطق التوتر الأمني، أما الموضوع الثاني فهو اعتبار الحل المطروح خارطة طريق بغض النظر عن قراءة المشهد بالكامل.

وفق هذه الصورة فإن مسألة الشكوك تبدو وكأنها تمس طبيعة التفكير الذي يمكن ان تنتشر سواء داخل أو خارج التنسيقيات التي تبدو وكأنها نوعا من استسهال طرح الشعارات أو الحلول، حتى ولو كانت من خارج السياق العام لأي حركة تغيير أو ثورة.

الثاني ما يمكن تسميته بـ"اختصار الأزمة"، فأن يستجيب بعض السوريين لمسألة خطابات العرعور فهو موضوع يحتاج إلى قراءة، ليس لأن كل مشايخ سورية غير قادرين على إيقافه، بل لأن المسألة تبدو أكثر من إتباع "الفتاوى" بل هي نوع من وضع الأزمة داخل إطار ضيق جدا، فبالتأكيد ستبدو بعض الاستجابات وكأنها تلبية له، لكنها في عمقها عجز من أخد الأطراف على الأقل على إيجاد حلول أو حتى فتح أفق مختلف.

اختصار الأزمة ينعكس أيضا خارج إطار مسألة "العرعور" أو غيره لأنها على ما يبدو سمة نتلمسها في صفحات الإنترنيت أو حتى في التغطيات الإعلامية، لأن ما يجري يحدث داخل المجتمع السوري المركب، وهو في نفس الوقت ربما يستطيع النظر إلى الأزمة من زاوية مختلفة، متعلقة أساسا بمفهوم مستقبلي قادر على إعادة رسم التفاصيل السياسية من جديد كي تكون حراك سياسي يحمل إبداعا وربما خيالا مختلفا عن الفتاوى.