الكاتب : دلال عبد الله

خطوة هامة خطت بها الحكومة الجديدة ضمن إطار برنامج الإصلاح المقترح، وهي إحداث لجنة لمكافحة ظاهرة الفساد المنتشرة في كل مجتمع،التي تشكل جانب هام من جوانب الأزمة التي تشهدها المنطقة،اللجنة عملت جاهدة ومازالت تعمل على الحد من هذه الآفة بكافة أشكالها وصورها من خلال آليات عملها،علها تنجز ما لم تنجزه الأجهزة السابقة...

للفساد أسباب!!.ولكن ما هي المسببات؟!..

وكنا التقينا مع عضو لجنة مكافحة الفساد"المحامي الدكتور لوقا جميل لوقا"نقابي سابق، وفي حديث مطول معه بهذا الخصوص ،توصلنا لمعرفة كل ما هو متعلق بهذه الظاهرة،وماهية عمل اللجنة لمكافحتها بكافة أنواعها وحالاتها، وابتدأنا الحديث بأسباب الفساد كونها النقطة الأجدر والأهم في هذا الموضوع،أجابنا قائلاً:"بأنه يمكن رد أسباب الفساد إلى ثلاثة أنواع ،تختلف عن بعضها باختلاف مسبباتها فهناك (أسباب اقتصادية): كانخفاض القيمة الحقيقية للأجور ،وارتفاع الأسعار،وازدياد معدلاتالبطالة، وسياسة الإفساد التي يتبعها بعض الأشخاص والشركات الكبرى في القطاع الخاص، كما أن هناك(أسباب إدارية):تكمن في ضعف معايير انتقاء الموظف العام ،وعدم الموضوعية في تقييم الأداء الوظيفي من جراء إسناد الوظائف الأعلى إلى من لا تتوفر فيه الكفاءة،وبالتالي أداء الرقابة الداخلية في مؤسسات الدولة،منوهاً بأن كل ذلك توخي لبلورة الشعار القائل"الإنسان المناسب في المكان المناسب"،كما ذكر بأن هناك (أسباب مجتمعية):وتبرز في خوف بعض المواطنين من تضرر مصالحهم في حال تصديهم للفساد،وانتشار ثقافة التعاطف مع الفاسدين من الإداريين بدافع من الشفقة وضعف الوازع الديني والرادع الأخلاقي لدى كثير من العاملين في الدولة،و سلبية أغلبية المواطنين تجاه الفساد والفاسدين،مؤكداً مع أن كل مواطن يجب أن يكون خفير ويتحلى في الشعور بالمسؤولية في الوقوف بوجه الفساد،الذي من شأنه تخريب البنية التحتية للمجتمع،وقال "هذا كل ما يتمناه أعداء الوطن ،ولذلك نحث هؤلاء الموظفين ألا يكونوا معول هدم لمجتمعهم ،ويقدموا هدية مجانية للأعداء في إضعاف اللحمة الوطنية وتخريب البنية التحتية التي تؤسس لدولة عصرية تهزأ بالأعاصير وعاديات الزمن"...

اللجنة المحدثة وآليات عملها:

و حول ماهية اللجنة المحدثة لمكافحة الفساد وآليات عملها،قال:"تم إحداث هذه اللجنة بإقرار من السيد رئيس مجلس الوزراء،بموجب القرار رقم /6080/وبتاريخ/5/5/2011/محدداً مهامها والتي تتجلى في تحديد وتوصيف واقتراح الضوابط والآليات للوقاية من الفساد،ومكافحته وملاحقة ومعاقبة مرتكبي جرائمه ،وبالتالي تحديد الآليات اللازمة لإعمال مبدأ المساواة وتكافؤ الفرص ،والعدالة والشفافية وتعزيز النزاهة،حيث قال أنه كانت قد خلصت اللجنة وخلال شهر من الاجتماعات المكثفة،إلى إعداد تقريرها النهائي والذي تم تسليمه للسيد رئيس مجلس الوزراء وذلك ضمن اجتماع خاص،أعقبه مؤتمر صحفي وذلك بتاريخ/11/6/2011/ألقي فيه بيان يتضمن ما انتهت إليها اللجنة في هذا التقرير"...

ماذا عن دور الأجهزة الرقابية السابقة؟!!...

وبسؤاله عما أدته الأجهزة الرقابية في الحقبة المنصرمة في مكافحة الفساد،أجابنا"بأنه توجد في الدولة حالياً أجهزة رقابية تتمثل في الجهاز المركزي للرقابة المالية ،والهيئة المركزية للرقابة والتفتيش"،أما فيما يتعلق بالهيئة المركزية للرقابة والتفتيش قال:"حسب قانون إحداثها رقم /24/لعام/1981 /فإنها تعتبر هيئة مستقلة ،هدفها تحقيق رقابة فعالة على عمل إدارات الدولة ومؤسساتها المختلفة ،وذلك من أجل تطوير العمل الإداري وحماية المال العام،ورفع مستوى الكفاءة والأداء تسهيلاً لتوفير الخدمات للمواطنين،لافتاً إلى أنه إذا ما تبين أن ثمة مخالفات إدارية أو مالية أو أن هناك جرائم ارتكبها بعض العاملين في معرض أداء وظيفتهم،فإن هذه الهيئة تتصدى لذلك كله وتحقق فيه وذلك توخياً لحماية الأموال العامة من الهدر والضياع،إضافةً إلى ذلك فهي تحقق قضايا الكسب غير المشروع وتحيل من يثبت التحقيق إدانته الفساد إلى القضاء المختص،وفق أحكام القوانين النافذة "،وبخصوص الجهاز المركزي للرقابة المالية قال:"بحسب المرسوم التشريعي رقم/64/لعام/2003/فهو هيئة رقابية ترتبط كما الهيئة المركزية برئيس مجلس الوزراء ،وتهدف لتحقيق رقابة فعالة على أموال،ومتابعة أداء الأجهزة التنفيذية لمسؤولياتها من الناحية المالية،كما أنها تختص بمباشرة الرقابة المالية المسبقة منها واللاحقة بطريق التدقيق والتفتيش،منوهاً إلى أنه إذا ما تبين أن ثمة فساد مالي إداري اقتصادي ،أو جرم جزائي والتي تنجم عنها آثار مالية تلحق الضرر بالمال العام،فإن هذا الجهاز يتولى التحقيق فيها والكشف عنها،وكف يد العاملين عن العمل وحجز أموالهم،وإحالة نتائج التحقيق من قبل رئيس الجهاز في حال أسفر عن جرم جزائي إلى القضاء المختص...

رؤية اللجنة:

أضاف إلى أنه ونظراً لازدواجية عمل هذين الجهازين وفي ضوء الأسباب الموضوعية والذاتية التي استعرضتها اللجنة،فقد انتهت إلى مجموعة من الاحتمالات الآنية وهي،دعم الجهاز المركزي المالي وإبقائه منوطاً بالهيئة المركزية للرقابة والتفتيش،ودمج الجهازين في جسم رقابي واحد،إصدار تشريع بإلغاء الهيئة المركزية للرقابة والتفتيش وإحداث هيئة أو مجلس أعلى لمكافحة الفساد ،تعقد له اختصاصات من بينها التشريع في قضايا الكسب غير المشروع وقضايا الفساد التي تنسب إلى أصحاب المناصب، والموظفين العامين ومن في حكمهم وذلك وفق تعريف الموظف العام الوارد بالمادة/340/من قانون العقوبات ،موضحاً بأن القانون يدين أي فساد يرتكب بقصد جلب المنفعة ،من قبل أي من أفراد السلطات الثلاث في الدولة "تشريعية،تنفيذية،قضائية"ومن قبل شاغلي المناصب العليا مدنين أم عسكريين.

مجلس أعلى، رؤى جديدة...

وبخصوص "المجلس الأعلى"أ شار إلى أن اللجنة رأت بأن يرتبط برئاسة الجمهورية،وأن يناط به موضوع أخذ إقرارات الذمة المالية من ذوي المناصب عن ممتلكاته وممتلكات أزواجهم وأولادهم القصر،وذلك عند تعينهم في الوظائف العامة أو إسناد المناصب العليا لهم وإعطاء إقرار الذمة المالية المماثلة عند تركهم العمل أو المنصب،بحيث تعتبر كل زيادة كسب غير مشروع في حال لم يتمكن من تبرير هذه الزيادة ،كما وأضاف إلى أن اللجنة اقترحت إلى جانب المجلس الأعلى سن" قانون جديد"يجمع قضايا الفساد المبعثرة في عدة قوانين،بحيث يشدد عقوباتها و ينص على عدم سقوط جرائم الفساد بالتقادم أو بقوانين العفو العام ،وقال بأن اللجنة اقترحت أيضاً تخصيص محاكم خاصة من القضاء العادي،تتفرغ للنظر بقضايا الفساد بما في ذلك نيابة عامة وقضاة تحقيق وإحالة،وذلك بغية سرعة الفصل بالدعاوى المحالة إليها بشأن قضايا الفساد"...

وفيما إذا كانت اللجنة اطلعت على تجارب الدول الأخرى أثناء سيرها في عملها ،حدثنا"بأن مما لا شك فيه أن كل دولة عندما تفكر بمكافحة الفساد،إنما عليها العمل على الاستقاء والاستفادة من تجارب الدول الأخرى ،وبالفعل فقد استرشدت اللجنة إضافة إلى ما اقترحته من آليات وضوابط للوقاية من الفساد ،استرشدت باتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد لعام/2003/والتي وقعت سورية عليها إلا أنه لم يتم المصادقة عليها بعد حتى الآن ،قائلاً أن نحن نتمنى من الحكومة أن تصادق عليها،وذلك لما لها من أهمية في مكافحة الفساد،مضيفاً إلى أن اللجنة استرشدت أيضاً باتفاقية عربية تتعلق بمكافحة الفساد،وكما اطلعت أيضاً على تجارب العديد من الدول في هذا المضمار"...

الظاهر الخفي!!...

وفيما يتعلق بأنواع الفساد(الخفي والظاهر )فقد وضح لنا كل من هذين النوعين وكيفية معالجتهما،قائلاً:" إن الفساد وباء منتشر وآفة مستشرية في مختلف دول العالم وخاصةً دول العالم الثالث،لافتاً بأن القوانين السورية جرمت الأفعال التي تقع على عاتق الإدارة العامة،وتخل بواجبات الوظيفة وهي(الرشوة وصرف النفوذ واختلاس الأموال العامة واستثمار الوظيفة العامة،إلى جانب الإهمال والهدر الذين يلحقان الضرر بالمال العام،والكسب غير المشروع،وغسل الأموال،وتمويل الإرهاب وإعاقة سير العدالة)فإني أرى هذه الجرائم والتي تضع الجهة الرقابية يدها عليها ،أراها وأعتبرها من قبيل الفساد الظاهر،وقال:بينما وباعتقادي فإنه يمكن تصور (الصفقات المشبوهة التي يعقدها بعض ضعاف النفوس من العاملين في الدولة ،وأثناء قيامهم بواجباتهم الوظيفية ،وعندما يبرمون عن مؤسسات الدولة والقطاع العام،عقود مع جهات وشركات خارجية أجنبية، ويشترطون عليها أداء عمولة لهم وبنسبة معينة من قيم تلك العقود،تودع في حساباتهم المصرفية الخارجية)فإن هذه الجرائم تندرج ضمن ما يسمى فساد خفي،ونوه بخصوص الفساد الظاهر و من أجل القضاء عليه، إلى أن اللجنة أوصت بتسريع انجاز "الحكومة الالكترونية"وأتمتة العمل في إدارات الدولة ومؤسساتها ،واعتماد أسلوب "النافذة الواحدة"،وأشار إلى أن الهدف من كل هذه الإجراءات ،هو منع الاحتكاك بين المراجع والموظف وما يمكن أن يولده ذلك من إفساد الضمير من قبل المراجع،أو فرض الأتاوة من قبل بعض الموظفين من ضعاف النفوس،كما و أكد بأن اللجنة أوصت باعتماد سياسة الباب المفتوح ،لسماع شكاوى الموظفين حول قضايا الفساد ومعالجتها بصورة جدية ،وذلك لكسب ثقة المواطنين وإشراكهم في عملية مكافحة الفساد،من منطلق شرف المواطنة والمشاركة بين الدولة والمواطن"....

القضاء، الإعلام،التربية ،ما دورهم؟...

وعن دور القضاء "فقد أكد بأن اللجنة قد عولت على الدور البارز للقضاء كحارس للعدالة وحامٍ للحقوق بكفاءة وموضوعية وتجرد ونزاهة،وأشار إلى دور المنظمات الشعبية والنقابات المهنية في مكافحة الفساد،وإلى دور الإعلام الحر بمختلف وسائله وأنواعه في نشر قيم الفضيلة وانتقاد المظاهر السلبية في المجتمع من محسوبيات ومحاباة ووساطة وولاء وانتماء،فضحاً للفاسدين ومحاربة للإنتهازية والوصولية ،كما وأكد على دور المناهج الدراسية لما لها من أهمية في تكريس لقيم الصاعدة والأخلاق في نفوس أبناء الوطن ،ليعلم كل منهم ماله من حقوق وما عليه من واجبات،وكان قد نوه إلى الدور الذي يمكن أن يقوم به رجال الدين،وذلك من خلال خطبهم وعضاتهم للمواطنين،وشدد بقوله:"بأنني أعتقد أن إصلاح النفوس أكثر أهمية من إصلاح النصوص،فالنصوص جيدة إنما العبرة هي للضمائر الحية التي تتبنى هذه النصوص والأيادي النظيفة التي تطبقها،فبذلك يتحقق خير الوطن ويسود القانون والعدل الذي هو أساس الملك"...

طموحات ورؤى مستقبلية...

وعما تطمح له اللجنة بشأن هذه الظاهرة أخبرنا"بأن ما نريده ونراه إضافة لما تقدم،لا بد أولاً وأخيراً من اعتماد مبدأ الشفافية في الأداء الإداري ،وتطبيق مبدأ الثواب والعقاب ،بمعنى أن تقدر الدولة العامل النشيط والمخلص ولأمين،وتعاقب كل من يخل بواجبه الوظيفي ويسيء لسمعة الإدارة،وقال وبرأي الشخصي بأن تحديد الأجور على أساس يراعي مستلزمات المعيشة ويؤمن الحياة الكريمة للموظف وأسرته،يحد كثيراً من مد يد الموظف لقبول الرشوة من المراجع ،كما وأن تأمين حقوق المواطنين بيسر وشفافية ،يحد من الوقوع بالإفساد"....

وأخيراً وما يمكن قوله والتأكيد عليه هو ما قاله السيد الرئيس بشار الأسد في خطابه،الفساد هو نتيجة انحدار الأخلاق ويجب اجتثاثه،ومن هنا فإن أهم ما يجب تأكيده هو أن معالجة هذه الظاهرة تبدأ من النفوس وليس النصوص،أي بدءً من البيت مروراً بالمدرسة وانتهاءً بالمجتمع بمؤسساته المختلفة ،فسوء أي إدارة أو فشلها يعتبران تربة خصبة تغذي الفساد بشتى أنواعه وأشكاله ،من جذوره الضاربة في الأعماق إلى أغصانه المتمادية في العراء......