طرح الموقف الذي اتخذته فرنسا حيال سورية في الآونة الأخيرة جملة تساؤلات, حتى بات الدبلوماسيون وكتاب الافتتاحيات الصحفية, والمسؤولون السياسيون يحصون كل حركة تبدر عن الرئيس جاك شيراك, ويمحصون بكل تصريح يصدر عن سفيره في لبنان برنار ايمييه.

فهل غيرت فرنسا من بوصلة سياستها في منطقة الشرق الأوسط? أم أنها قررت إغلاق صفحة خلافاتها مع الولايات المتحدة? ولا سيما أن التعاون القائم حالياً بين باريس وواشنطن, والذي لا تشوبه شائبة, في الشأن اللبناني, يثير حتى دهشة المعنيين الرئيسيين بالملف.

وجاء التعاون الثنائي بين البلدين حول تلك المسألة بالذات, بمبادرة من الرئيس جاك شيراك شخصياً. حيث طرح خلال انعقاد قمة الدول الثماني في مدينة سي ايسلاند الأميركية على نظيره الأميركي جورج بوش خلال لقاء جمع بينهما, فكرة استصدار قرار من مجلس الأمن الدولي, يطالب بانسحاب القوات السورية من لبنان,و أهمية هذا البلد وبحجة إعادة الديمقراطية إليه, في وقت كان فيه الرئيس بوش يبحث للترويج لمشروعه «الشرق الأوسط الكبير» وللمفارقة, إنه وقبل هذا اللقاء بعدة أشهر, وخلال زيارته الى بيروت, بمناسبة انعقاد قمة الدول الفرانكوفونية في شهر تشرين الأول 2002 ، أكد الرئيس شيراك أنه بالسلام الإقليمي وحده «تستطيع سورية ولبنان تنظيم علاقاتهما الثنائية, وانسحاب القوات السورية بالكامل من البلاد».

ولكن بماذا يفسر هذا الانعطاف الكبير بالموقف الفرنسي? ثمة أسباب عديدة تقف وراء هذا التبدل ,منها ما تدعيه باريس من عدم تحقيق سورية إصلاحات حقيقية داخلية. وجاء عقد التنقيب عن النفط المهم والذي وقعته سورية مع شركة بنروكندا بدلاً من شركة كوتال الفرنسية ليلبد الأجواء أكثر بين البلدين. والأخطر من هذا وذاك, الاتهام الذي وجهه الرئيس شيراك الى سورية بمحاولتها عرقلة مسيرة الإصلاحات الاقتصادية التي تعهد بها صديق شيراك الشخصي رئيس الوزراء اللبناني الراحل رفيق الحريري, وبالتالي تعطيل قرارات قمة باريس -2- لعام ,2002 الرامية الى إعادة جدولة الديون اللبنانية. وأخيراً رأى الرئيس شيراك في هذا التعاون بين بلاده والولايات المتحدة فرصته المناسبة لطي صفحة العراق السوداء.

وكونه لم يكن يوماً يولي أي أهمية لمستقبل لبنان, برزت الدهشة الكبرى من انشغال البيت الأبيض شبه اليومي بالشأن اللبناني.

وتجسد هذا التعاون في ايلول عام 2004 ، بصدور القرار رقم 1559 عن مجلس الأمن الدولي, وفي رأيه: انسحاب القوات السورية من لبنان ,وبطلب من البيت الأبيض, نزع سلاح الميليشيات وسلاح حزب الله. وخلال تلك الفترة تعاونت باريس وواشنطن معاً على تنفيذ القرار, وأنجزت سورية سحب كافة قواتها من لبنان, وتم تشكيل لجنة للتحقيق في اغتيال رفيق الحريري, وأجريت الانتخابات التشريعية اللبنانية في موعدها المحدد.

والسؤال: هل سيدوم طويلاً هذا التفاهم القائم بين واشنطن وباريس? يندرج هدف الولايات المتحدة في هذا التعاون ضمن إطار استراتيجيتها الإقليمية في المنطقة, أي ممارسة مزيد من الضغوط على سورية, ونزع سلاح حزب الله. بينما تبدي فرنسا, من جانبها, حذراً شديداً, فهي ما زالت تأمل في إعادة الحوار مع سورية .

وفيما يتعلق بموقف حزب الله من قضية تخليه عن سلاحه فهو رفض العرض الفرنسي خلال إجراء مفاوضات مباشرة معه «مكاسب» سياسية عديدة عليه مقابل نزع سلاحه . ولكن هل تدخل باريس في مواجهة حول هذه المسألة التي تنقسم في صددها القوى اللبنانية, ومن ضمنها المعارضة?

, على الصعيد العسكري, بالمسألة الصغيرة اليسيرة, فمن الذي يمكنه فرض ذلك عليه? بالتأكيد ليست قوات الجيش اللبناني التي ارتبطت بعلاقات قوية وراسخة مع حزب الله خلال مقارعته الاحتلال الإسرائيلي. وفي السابع من آذار المنصرم, برهنت المقاومة اللبنانية المتمثلة بحزب الله- من خلال الحشد الجماهيري الكبير, خلال المسيرة الكبرى التي جابت شوارع لبنان وضمنت الآلاف من الأشخاص- على قوتها, والتي كرستها خلال الانتخابات اللبنانية .

وفي كلمته أمام الحشود المتظاهرة, أكد السيد حسن نصر الله قائلاً:«لم نوجه قط سلاحنا ضد اللبنانيين, رفعنا سلاحنا فقط في وجه المحتلين, وسنرفعه من أجل حماية البلاد ضد أي اعتداء».وأضاف قائلاً:(سندافع عن سيادة لبنان) قبيل أن يضيف ساخراً «في السابق, كانوا يقولون:إنه وعندما تتشكل حكومة في بيروت, كان على اللبنانيين قبلاً مشاورة دمشق. والآن علينا الحصول على موافقة باريس وواشنطن وعواصم عربية أخرى».

في الواقع, يدرك الجميع أن نزع سلاح حزب الله ليست قضية داخلية بحتة. وإن شئنا أم أبينا فإن مستقبل لبنان مرتبط بالصراع الإسرائيلي- الفلسطيني, وبالمعطيات الإقليمية, ولا سيما الأزمة العراقية, والمواجهة بين الولايات المتحدة وايران.

يعتبر حزب الله الحجر الأساس في هرم القوى التي تعارض السيطرة الأميركية والإسرائيلية على المنطقة . ومن المستبعد أن يتخلى عن هذا الدور مهما كانت العروض المقدمة إليه مغرية على الساحة اللبنانية. [1]

مصادر
سيريا نيوز (سوريا)

[1المركز الدولي لدراسات أمريكا والغرب