خطت الولايات المتحدة خطوة جديدة في الضغط على سورية عبر قيامها بتجميد أرصدة كل من وزير الداخلية السوري اللواء غازي كنعان، واللواء رستم غزالة الرئيس السابق لجهاز الأمن والاستطلاع ونائب كنعان في لبنان، والسبب كما قالته واشنطن “نشاطاتهما الفاسدة”، وتورطهما “في صفقات مالية فاسدة”، ودورهما في “دعم الارهاب” خلال وجودهما في لبنان.

وتندرج هذه الخطوة في سياق فرض عقوبات أميركية على سورية بالاستناد الى القرار الرئاسي رقم ،13338 الذي وقعه الرئيس بوش في مايو/ أيار ،2004 المتضمن سريان مفعول "قانون محاسبة سورية واستعادة سيادة لبنان للعام 2003" الذي جرى الاستناد اليه في فرض عقوبات اقتصادية على سورية في العام قبل الماضي.

وبغض النظر عن الجوانب العملية لقرار تجميد حسابات اللواءين كنعان وغزالة، فان القرار يمثل خطوة أميركية تصعيدية ذات تأثير خطير على العلاقات السورية - الأميركية، وهي ستتجاوز ذلك الى علاقات سورية مع دول اخرى في العالم.

وتستمد الخطوة الأميركية خطورتها من مدلولاتها السياسية. اذ تذهب الادارة الأميركية فيها من كلام عام عن المواقف السورية وتعاطيها مع الوضع في لبنان او العراق الى تحديدات تفصيلية، وهي في هذا الجانب تتهم وزير الداخلية بما يمثله في ترتيب اهم المراكز السياسية في الحكومة السورية، ثم تضيف اليه شخصا ثانيا في مستويات عليا من الجهاز الامني الذي لاشك في انه يشكل عصب النظام السياسي في سورية، وهو الامر الذي يفسر رد الفعل السوري السريع على الخطوة الأميركية.

والخطوة الأميركية الاخيرة تفتح الباب نحو خطوات أخرى، يمكن ان تتابعها ادارة بوش في اطار فرضها العقوبات على سورية مثل القرار التنفيذي الذي أصدره الرئيس بوش بمنع التعامل مع “مركز البحوث والدراسات العلمية” في سورية بالتزامن مع قرار وزارة الخزانة بتجميد حسابات كنعان - غزالي، وربما تكون هناك عقوبات أخرى في القريب لاسيما في ضوء مطالبات متصاعدة بهذا الاتجاه في الكونغرس، تترافق مع تحركات يقوم بها أميركيون من أصول سورية يقودون جماعات معارضة مثل زعيم حزب الاصلاح السوري فريد الغادري هدفها تشديد الضغط على سورية، وكله يجعل فرصة فرض عقوبات اضافية “ممكنة جدا”، كما قالت اوساط أميركية في تعليق لها على الخطوة الاخيرة.

وتتجاوز الخطوة الأميركية محتوياتها ومضاعفاتها المباشرة في التأثير على سورية الى خلق بيئة دولية وعربية، يمكن ان تسهم في تصعيد الضغوط على السياسة السورية، وقد أكدت معلومات غربية، ان ادارة بوش تسعى لان تحذو الدول الاوروبية حذوها في تجميد حسابات شخصيات سورية، وفرض عقوبات على سورية في اطار جهود أميركية لدفع الحلفاء الاوروبيين والعرب من اجل اتخاذ مواقف اكثر تشددا من سورية، وصولا الى جعل التشدد سمة دولية في التعامل معها على نحو ما جاء عليه قرار مجلس الأمن الدولي رقم 1559 ولاسيما جانبه المتعلق بالانسحاب السوري من لبنان.

وخطورة التوجه الأميركي السابق للضغط على سورية وفرض عقوبات عليها، يكمن في امرين اثنين، اولهما ان المناصرين لسورية ومؤيدي سياساتها صاروا اقلية في المحيط الدولي والعربي، والثاني ان دولا كثيرة راغبة في كسب ثقة واشنطن بما هي عليه من قوة سياسية واقتصادية وتعمل للحصول على رضاها او مسايرتها وعدم اغضابها، وهذا يعني زيادة عدد الدول التي يمكن ان تنخرط في قائمة الضغط على سورية وتأييد فرض عقوبات عليها.

لقد فتحت خطوة واشنطن الباب واسعا على تطورات قد يكون من الصعب تقديرها وحصر اتجاهاتها ومستوياتها، لكنها في كل الاحوال ستكون ذات تأثير سيئ على الاوضاع السورية، وما لم تقم سورية بخطوات غير تقليدية في التعاطي مع ما قامت به واشنطن، وما لم تتشكل حاضنة عربية ودولية تساعد سورية في خطواتها المقبلة، فان الاوضاع قد تصير أكثر سوءا وترديا ليس في علاقات دمشق - واشنطن التي دخلت طورا جديدا، بل في علاقات دمشق الاقليمية والدولية، وهو ما قد يؤثر على النظام السياسي السوري ومستقبله.