أدت التداعيات التي حصلت بعد اغتيال الرئيس رفيق الحريري الى ادخال العلاقات اللبنانية ـ السورية في ازمة صامتة، لكن هذا الصمت ينجلي حالياً مع تعالي الاصوات عند المعابر الحدودية بين البلدين، احتجاجاً على الاجراءات الامنية السورية التي اشتدت وطأتها منذ نحو 20 يوماً بالتزامن مع تكليف الرئيس فؤاد السنيورة تأليف الحكومة الجديدة.
وكان يمكن لهذه الاجراءات ان توضع في خانة “الاجراءات الامنية” خصوصاً بعد اعلان سورية عن اكتشاف اسلحة مهربة من لبنان وحصول اشتباكات مع مسلحين قرب الحدود، لكن «برودة» العلاقات بين البلدين، رسمياً وشعبياً، تقول غير ذلك. وهو ما حدا بنصري خوري الامين العام للمجلس الاعلى اللبناني ـ السوري الذي تشكل بموجب اتفاقية التعاون والتنسيق بين البلدية الى الاعتراف لـ«الشرق الأوسط» بوجود «أزمة صامتة» بين البلدين. أما الزوار اللبنانيون العاديون، الذين التقتهم «الشرق الأوسط» لدى عودتهم عند نقطة الحدود في محلة «المصنع» من سورية فقد اجمعوا على وصفها بـ«الاجراءات الانتقامية»، وذهب بعضهم الى حد الحديث عن «مضايقات» تعرضوا لها في الاسواق السورية.

طيلة الـ15 عاماً المنصرمة، كانت الحدود اللبنانية ـ السورية شبه مشرعة، حتى ان «الخط العسكري» بين البلدين كان يزدحم بالزوار اكثر من الخط المدني لشدة كرم الضباط السوريين في منح اللبنانيين تصاريح مرور عليه. وبما ان الوصول الى دمشق من بيروت كان يتم بأقل من ساعتين، استسهل اللبنانيون زيارة العاصمة السورية للتبضع مستفيدين من رخص الاسعار في سورية في حين ذهب بعض اللبنانيين الى سورية للعلاج، وشراء الأدوية السورية الرخيصة جداً مقارنة بأسعار الادوية في لبنان، اذ يمكن شراء دواء سوري بأقل من 4 دولارات، ثمن مثيله في لبنان 50 دولاراً. واختار بعض اللبنانيين، خصوصا المتقاعدين من الجيش، الاقامة الدائمة في سورية، فالحياة اوفر بكثير، واللبناني يعامل كالسوري في المدارس والمستشفيات، كما ان الراتب الضئيل في لبنان، يكفي لعيش كريم في سورية.

وقع زلزال اغتيال الرئيس الراحل رفيق الحريري في 14 فبراير، واتجهت اصابع الاتهام نحو سورية من قبل العديد من السياسيين اللبنانيين، ولم يمض شهر على الاغتيال حتى اصبح العمال السوريون «عملة نادرة» في بيروت، بعدما فروا منها جراء بعض التعديات التي استهدفتهم، او جراء الخوف الذي ساهمت في تعزيزه الشائعات عن مقتل العديد من العمال السوريين على ايدي اللبنانيين، وما قابلها من شائعات عن تعرض لبنانيين في سورية للرجم بالحجارة او حتى القتل، دون اي اعلان رسمي من الجانبين عن حوادث من هذا النوع او غيرها. بعدها دخلت نقطة الحدود الرئيسية في منطقة «المصنع» في البقاع اللبناني في حالة جمود لقلة الزوار، بل ندرتهم، وشكا اصحاب المحال الممتدة على طول خط بلدة شتورة “اللبنانية” ـ المصنع من كساد تجارتهم، علماً ان لا منافذ برية للبنان الا مع سورية على اعتبار أن اسرائيل تحده من الجنوب والبحر من الغرب.

و«يتنفس» لبنان عربياً عبر سورية التي تشكل ممراً برياً اجبارياً نحو دول الخليج، وتنطلق كل يوم مئات الشاحنات من مرفأ بيروت باتجاه هذه الدول، غير ان الازمة الحقيقية تكمن حالياً في الحدود الشمالية، حيث تتجه الشاحنات من بيروت الى العراق محملة بالبضائع، اذ يعمد السوريون الى تفتيش السيارات بدقة متناهية غير عابئين بأن خط الشاحنات امتد هذا الاسبوع الى 12 كيلومتراً، مما ادى الى اقفال شوارع بلدة العبودية الحدودية بالشاحنات. وأزمة العلاقات لا تقتصر على التنقل فقط، فالاتصالات بين الوزارات في البلدين شبه مقطوعة، والغاز السوري المفترض وصوله الى معامل الكهرباء في لبنان منذ مايو (ايار) الماضي، لم يصل بعد، لأن الجانب السوري يشعر بالغبن من الاتفاقية الموقعة بين البلدين. وأبلغ الأمين العام للمجلس الاعلى اللبناني ـ السوري نصري خوري «الشرق الأوسط» انه سيزور العاصمة السورية اليوم للقاء رئيس الوزراء السوري ناجي العطري لمتابعة البحث في وضع الحدود بين البلدين قائلاً، انه يحمل «اقتراحات حل» من الرئيس المكلف تشكيل الحكومة اللبنانية فؤاد السنيورة.

وعزا خوري سبب التشدد السوري الى «مخاوف امنية»، قائلاً انه حدث نتيجة «تشديد اجراءات التفتيش بعد اكتشاف مهرَّبات في شاحنات متوجهة الى العراق»، مشيراً الى ان الجمارك السورية صادرت ممنوعات ومتفجرات واسلحة. واكد خوري «ان المعبر الحدودي في العبودية (شمال لبنان) كان يعاني من مشكلة سير سابقاً، لكن الازمة ازدادت حدة حالياً بعدما تحول التفتيش الانتقائي الى تفتيش الزامي، فيما المراكز الجمركية (السورية) غير مجهزة بالكامل».

واوضح «ان الطريق تقفل 12 ساعة يومياً من اجل التأهيل، وتعطى الجمارك السورية ست ساعات للسيارات المتوجهة من لبنان الى سورية وبالعكس، فانتقلت الشاحنات الى نقطة المصنع “البقاع اللبناني” ما نقل الازمة الى هناك ايضاً. وشدد خوري على ان الازمة «تقنية بحتة» من دون ان ينسى الاشارة الى وجود «تفسيرات متعددة لها»، لكنه قال: «من نتائج اتصالاتي أرى انها تقنية فقط».

ووصف خوري الاجراءات الجمركية السورية بانها «اجتهاد من قبل بعض الموظفين». وقال: «لا يوجد قرار بهذا الاتجاه، انه مجرد اجتهاد، وموضوع جمركي يمكن حله».

لكن خوري اعترف بوجود «نوع من الأزمة الصامتة في العلاقات اللبنانية ـ السورية». وقال: «نمر بمرحلة برودة، والعلاقات بحاجة الى معالجة فور تشكيل الحكومة اللبنانية الجديدة ولتجاوز المرحلة المقبلة».

أما موضوع الغاز، فقد وضعه خوري في اطار «طرح موضوع اعادة تقويم الاتفاقات بين البلدين». وقال: «لقد تم الاتفاق على تشكيل لجنة يقدم من خلالها كل طرف ما يرى انه مغبون فيه، والسوريون يرون انهم مغبونون في سعر الغاز، الذي يوازي ربع السعر المعمول به عالمياً».

مصادر
الشرق الأوسط (المملكة المتحدة)