القضية الكردية في سورية ( بما تعني الاعتراف بالقومية الكردية إلى جانب القومية العربية إي الإقرار بالتعدد القومي للمجتمع السوري – منح الجنسية للأكراد البدون جنسية – العمل على إلغاء التمييز القومي – الحق بممارسة الثقافة والتقاليد الكردية – حقوق المواطنة والمساواة ) تعتبر قضية أساسية ، ومقدار التقدم بحلها معيار لمدى التقدم بالمسألة الديموقراطية .

أما الإشكالية التي تعترض حل القضية الكردية تكمن في الأسباب التالية :

- تخلف وجمود الإيديولوجيات الرائجة في العالم العربي وسوريا على وجه الخصوص عن مواكبة المتغيرات ، ويرجع ذلك بدون أدنى شك إلى التخلف الاقتصادي والاجتماعي والسياسي ، الذي يولد عقدة نقص يجري تعويضها باضطهاد الآخر ، وانتهاج عقلية التعصب والتطرف ، وتبني العنف أسلوب ووسيلة للدفاع عن الذات من رياح التغيير الآتي .

- التشبث بالنظام الشمولي لحماية المصالح والامتيازات التي تحققت في ظل سياسة التمييز .

- سياسة التضليل والتشويه وإثارة النعرات وتخوين المعارضين التي تمارسها مختلف الفئات المستفيدة من الواقع المر .

- الخوف والتردد من مراجعة الرؤى المسبقة المتخلفة والمتعصبة من ردة فعل الشارع الواقع تحت تأثير التضليل والتعمية الذي تغذيه الفئات المستفيدة من التخلف .

- سيادة المغالاة لدى الفرد للأفكار المتعصبة والمتطرفة للجماعة المنضوي تحتها .

- غياب نظرة احترام الآخر ، والنظر إليه بحذر وعدوانية مسبقة وبعقلية المؤامرة . وليس على أنه مكمل ومتمم للحياة المشتركة . وهذا الكلام ينطبق على الآخر بالداخل والخارج .

- غياب روح الحوار ، وتغلب عقلية الإقصاء ، وليس البحث عن العيش المشترك .

- الإصرار على اللون الواحد للمجتمع وضرورة سيادته . وعدم التسليم بالواقع المتعدد والمختلف وغير المتجانس .

- ضعف الارتكاز برؤانا المختلفة على الإنسان المواطن وحقه بالحياة الحرة الكريمة القائمة على المساواة والعدالة بدون تمييز .

وبناء عليه ، أرى أن القضية الكردية تعبير عن سياسة التمييز التي تمارس تجاه جزء من المجتمع السوري له شخصية قومية كردية نتيجة لظروف تاريخية معينة سورية وإقليمية ودولية . وهذا الجزء من المجتمع السوري له دوره الملموس والفعال على مختلف الأصعدة لا يمكن تجاهله أو الاستغناء عنه ، وليس عبئاً عليه . وبالتالي حل هذه المسألة يأتي بسياق التغيير الديمقراطي في سوريا . وأن مقدار التقدم بحل القضية الكردية هو تعبير عن مدى التقدم بعملية التغيير .

أما بالنسبة للخارج أو المشروع الأمريكي والأوروبي إن صح التعبير بسبب التوافق بينهما حول مستقبل المنطقة وعلاقة ذلك بالمسألة الكردية كواحدة من المسألة الإثنية في المنطقة العربية . أجد أن هناك تسرعاً بالموقف المعارض له على أساس الموقف المسبق المعادي والرافض لأي مبادرة للغرب الرأسمالي المقولب بمنطق الحرب الباردة أيام الاتحاد السوفييتي ، وعدم الأخذ بالاعتبار التطور والتغيير الذي جرى خلال ربع قرن مضى .

وأعتقد أن النموذج الديمقراطي في العراق كفدرالية يرضي الأكراد في سوريا والعراق وتركيا وإيران ، ولكن ليس بالضرورة هو النموذج المناسب لهم في سوريا أو تركيا وإنما يعبر عن شعور بانتزاع مكاسب قومية وحقوقية لطالما ناضلوا من أجلها لرفع المعاناة والتمييز بحقهم . وهذه المكاسب ما كانت لتتحقق لولا الاحتلال الأمريكي للعراق وإسقاط نظام صدام . وحديثاً أصبح مطروحاً منطقاً فدرالياً للجنوب العراقي نتيجة لممارسات العنف الانتحاري والتفجيري ضد المناطق الشيعية في العراق التي يقودها مجموعات إرهابية . وهذا درس يفضي إلى أن العنف ليس حلاً وإنما يؤدي إلى مزيد من المنطق الانعزالي .

إذاً ، الإصرار على التمييز ورفض الآخر واللجوء للعنف والإرهاب وممارسة الإقصاء ، سيؤدي حتماً إلى دفع الإثنيات للاستعانة بالخارج وتكرار المشهد العراقي . خاصة أن الخارج له رؤية ومشروع ينسجم وحماية مصالحه وينتظر دوراً مباشراً إذا تسنى له ذلك .

مثال آخر عن السودان الشقيق ، لأخذ العبرة منه أثناء المناقشة . فقد مر عليه عقدين من القتال والحرب الأهلية غير الخسائر المادية والبشرية للسودان شمالاً وجنوباً . معركة بين التعصب الإسلامي العربي والجنوب غير الإسلامي الأفريقي المدعوم من الغرب . ماذا كانت النتيجة ، تدخل ووساطة أمريكية وغربية ، واكتشاف للنفط في السودان سرع من عملية السلام والحل الديمقراطي والحوار الوطني لإنهاء آلام الحرب الأهلية وطي صفحة الماضي ، والعمل لبناء سودان المستقبل الديمقراطي . وبالمناسبة ليس لنا إلا أن نعزي أنفسنا والشعب السوداني الشقيق شماله وجنوبه بوفاة بطل السلام الدكتور جون كرنق نتيجة حادث تحطم الطائرة التي تقله من أوغندا إلى السودان . ونأمل أن تستمر عملية السلام والديمقراطية في السودان إلى نهاياتها كما أرادها الشعب السوداني .

أخيراً ، نحن أمام ظرف دولي جديد . الغرب الرأسمالي ومنطق السوق الذي حقق انتصارا على الأنظمة الشمولية . نظام عالمي جديد ، يحمل بداخله تناقضاته المتوحشة و الحضارية . ولا نستطيع إلا أن نكون جزءاً منه وفي جانبه الايجابي الحضاري .

وفي هذه الأيام ، المواجهة المطروحة من قبل المتطرفين الإسلاميين وغيرهم مع الغرب المنتصر على قاعدة الايدولوجيا ، مغامرة غير محمودة العواقب ، خاصة وأن مجتمعاتنا تعاني من التخلف الاقتصادي والاجتماعي والسياسي . وفي هذه الحال ، الطريق الأنسب هو اللجوء للحوار مع الغرب للبحث عن أسس للتعاون قائمة على المصالح المشتركة وحل المسائل العالقة في المنطقة كالأراضي العربية المحتلة والسلام مع إسرائيل ، والسير بطريق التغيير الديمقراطي ، وأن نكون جزءاً من الاستقرار والسلم العالمي بحثاً عن وسائل التنمية الإنسانية المستدامة والتكامل الاقتصادي وتوسيع وتحرير التجارة البينية بين شعوبنا . وهذا هو طريقنا النهضوي الجديد إذا كنا نسعى إليه .

مصادر
موقع الرأي (سوريا)