لم يكن سوى أقل من أسبوع مضى على زيارة رئيس الوزراء اللبناني فؤاد السنيورة إلى دمشق، وما رافقها من تصريحات واجراءات ايجابية بانفراج في ازمة العلاقات السورية - اللبنانية وخصوصا على نقاط العبور الحدودية، حتى عادت مؤشرات التدهور في علاقات البلدين إلى الظهور مجددا،

وكان الأبرز في هذه العودة، تراكم الشاحنات على معابر الحدود السورية وخصوصا في نقطة جديدة يابوس التي تفتح باتجاه دمشق، كما كان بين مؤشرات التردي تصريح اطلقه وزير الإعلام السوري مهدي دخل الله أمام صحافيين اردنيين، كانوا يزورون دمشق، وصف فيه، "الاتهامات التي تتعرض لها سورية من قبل بعض اللبنانيين بالمهاترات والأصوات الشاذة والأقلام المغرضة"، وترافق قول الوزير مع مقالات ظهرت في الصحافة الرسمية السورية وأخرى خصوصا منها صحيفة "الاقتصادية"، اتسمت بالتشدد في العلاقات مع لبنان، وهاجم مقال في جريدة تشرين "انتفاضة 14 آذار" ووصفها بـ "انتفاضة الانتقام والقتل" في معرض الحديث عن المفقودين السوريين في لبنان، التي قالت "لجنة اهلية سورية" يرأسها فيصل كلثوم عضو مجلس الشعب السوري ورئيس مركز الدراسات الاستراتيجية في جامعة دمشق، ان عددهم يبلغ 795 حالة موثقة.

وكما هو واضح، فان هناك مشكلة على الجانب السوري في العلاقات مع لبنان، وهي مشكلة تجد لها ما يماثلها على الجانب اللبناني بشأن العلاقة مع سورية، لكن تعبيرات المشكلة على الجانب اللبناني اقل وضوحا، وقد تكون غير ملموسة في التصريحات والسلوكيات الرسمية، التي تؤكد حرصها على علاقات جيدة وايجابية مع سورية، وهو تأكيد يتضمن، ان ذلك ينبغي ان يتم على قاعدة الاستقلالية والندية، وأكدتها غالبية الشارع اللبناني وفعالياته السياسية والاجتماعية في الأشهر الماضية، التي تلت اغتيال الحريري.

غير انه وفي موازاة غياب التعبيرات اللبنانية الرسمية عن المشكلة في العلاقات مع سورية، فان ثمة تعبيرات ملموسة في مستويات غير رسمية، لعل من ابرزها، دعوات عدة اطلقتها فعاليات سياسية واقتصادية لبنانية لاجراء تغييرات في مسار حركة البضائع عبر سورية بالانتقال في النقل نحو النقل البحري والجوي لهذه البضائع أو بعضها مع قيام الدولة بمنح تسهيلات تشجيعية في هذا المجال، كما ان بين تعبيرات المشكلة مخاوف لبنانية تتضمنها تصريحات لقادة سياسيين وفعاليات اجتماعية، ومقالات لكتاب وصحافيين من عودة التأثيرات السورية إلى الداخل اللبناني سواء بصورة مباشرة، أو غير مباشرة عبر آليات، تشكلت ابان فترة الوجود السوري في لبنان، وقد استمر ثلاثة عقود من السنوات.

غير انه وباستثناء هذه التعبيرات، فإن ثمة تعبيرات لبنانية - يمكن القول انها ذات طابع فردي- لا تخلو من قسوة في تعبيريتها، ومنها معاملة السوريين في لبنان بصورة عنصرية، ويذهب بعض اللبنانيين في هذه المعاملة حد الاعتداءات الجسدية، وقد نقلت الأيام الاخيرة خبر تعرض احد السوريين للقتل في منطقة الزهراني جنوب بيروت.

واذا كان تردي العلاقات السورية - اللبنانية في احد اسبابه اللبنانية نتيجة ارث سنوات الوجود السوري في لبنان وما ترتب عليه من سياسات سورية هناك. فانه من جانب السوريين نتيجة لما يوصف بانه "قلة وفاء بعض اللبنانيين ازاء تضحيات سورية في لبنان"، ونتيجة "مخاوف امنية" سورية من تحول لبنان ممرا لتهديد الأمن الوطني السوري، لكن الهم المشترك للطرفين اليوم هو محاولة رسم اطار جديد للعلاقات بين الدولتين والسلطتين، التي تحاول كلتاهما ارساء علاقات من نوع جديد مع الاخرى، وكانت زيارة الرئيس السنيورة محطة على هذا الطريق.

ويبدو ان الاساس في ارساء علاقات سورية - لبنانية جديدة، ووقف تعبيرات التدهور بين الجانبين، يمر عبر فتح خط للعلاقة السورية مع سعدالدين الحريري زعيم الغالبية البرلمانية وزعيم تيار المستقبل الذي ينتمي اليه رئيس الوزراء فؤاد السنيورة، وأشارت مصادر صحافية مقربة من الحكومة في دمشق، إلى ان جهودا تبذل لاستقبال الحريري في دمشق في خطوة تمهد لمصالحة بين الطرفين، لكن اوساطا لبنانية أكدت، ان زيارة الحريري إلى دمشق امر خارج التوقعات القريبة، وان كان لها ان تتم، فلن تكون قبل انتهاء التحقيقات في جريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري، وصدور تقرير رئيس لجنة التحقيق الدولية ديتليف ميليس لمعرفة الحقيقة بشأن الموقف السوري، على رغم ان سورية، أكدت مرات عدم مسئوليتها في اغتيال الحريري.

وتكشف هذه التفاصيل جانبا من الخلفية التي تتردى على اساسها العلاقات السورية - اللبنانية بعد ان بدا انها فتحت على تطور ايجابي خلال زيارة السنيورة، واساس هذه الخلفية ان دمشق تستعجل تطبيع العلاقات مع لبنان في فتح قنوات مع سعد الدين الحريري، فيما يستمهل الاخير فتح الباب مع دمشق حتى الانتهاء من موضوع التحقيق الدولي وصدور التقرير عن اغتيال الحريري الاب. ووفقا لهذه الرؤيا، فان التردي والتدهور في العلاقات السورية - اللبنانية سيظل قائما وربما يتفاقم ويجد له تعبيرات متزايدة، على رغم الاعلانات السورية - اللبنانية التي تؤكد الحرص على علاقات جيدة ومميزة بين البلدين، ولن يعدم أي طرف كان في المستويات المختلفة عن ايجاد مبررات ما لما يحدث من تدهور، فأزمة الشاحنات قد تكون لسبب "امني" او "لوجستي" والتعريض بالسياسة أو بالشخصيات السورية في لبنان، قد يكون مبررا تحت شعار حرية وشفافية الصحافة اللبنانية، وعلى رغم انها قد تكون جميعها كلمات حق، فقد يراد بها باطل.

مصادر
الوسط (البحرين)