ماذا بعد سقوط بغداد؟ سؤال وجهته جريدة السفير إلى مجموعة من المثقفين السوريين بتاريخ 23/5/2003 وقد حاولت في إجابتي استقراء وضع العراق والدول المجاورة خلال السنوات الخمس القادمة، وأرى الآن أن بعض ما قلته قد تحقق مما يبرر إعادة نشر ما استقرأته ولم يقرأه إخوتي تصديقا لمقولة عدونا موشي دايان من أن العرب شعب لا يقرأ!؟

قلت: " لقد أضعفت الحرب القوى العلمانية في العراق وأفسحت المجال أمام التيارات الدينية لتمثيل الحالة الوطنية مستقبلا، وأعتقد أن مثل هذا الأمر ليس في صالح قوات الاحتلال". يقول أحد محترفي الحروب وأمرائها:( الغلبة غير النصر، فالغلبة التي تعتمد على القوة وتستغني عن المشروعية تنتهي قتالا لكي تفتح الباب أمام قتال جديد).

ستحاول الإدارة الأمريكية تقسيم العراق إلى إمارات محمية على غرار إمارات الخليج العربي وتتوازع نفطها وأسواقها مع سادات العشائر القادرين على ضبط الأمن في مناطقهم. غير أن هذه المقاطعات لن تحقق الازدهار على المدى القريب بسبب المقاومة والأفراد المفخخين بالحس الاستشهادي الذي صدرته النجف وكربلاء إلى جنوب لبنان وفلسطين وبالتالي ستحتاج الإدارة الأميركية العراقية إلى عناصر استخبارات محلية محترفة سيتم اختيارها من بين موظفي الصف الثاني في استخبارات صدام حسين للعمل تحت إدارة السي آي إي والموساد.. ستنتشر الملاهي والكباريهات ومنتديات القمار والتجسس والمواخير وفي المقابل سوف تزداد حدة الانتماءات الدينية والعرقية وسيضطر العلمانيون إلى الانضواء بداخلها طلبا للحماية، وقد تلعب إيران دورا قويا داخل هذا التيار، لكن لن يكتمل الخط الخليجي العراقي الذي رسمته كوندليزا وفريقها الرئاسي قبل مرور عدة سنوات، أي بعد خروج القوات الأمريكية وقيام حكومات تابعة لها في الإمارات العراقية.

بخصوص دول الجوار ستغدو الأردن مركزا رئيسيا لانطلاق أعمال الاستخبارات الأمريكية وسيبقى قرار الأردن السياسي رهين نزعات الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة. سوريا سوف تنكفئ إلى الداخل وتجمد مشاريعها القومية بعد ما تحاصرها القواعد الأمريكية من أربع جهات وسيقتصر عمل البعث السوري على برمجة أهدافه وإدارته داخل حدود الوطن السوري. تركيا سوف تحاصر وتغدو أكثر طواعية وكلما تعنتت أبرز الأمريكان ورقة الأكراد في وجهها لابتزازها وبالتالي ستكون جاهزة لمشاركة الإدارة الأمريكية في حربها الباردة ضد أصحاب اللحى في إيران. أما الكويت فهي الرابح الوحيد بين دول المنطقة من سقوط بغداد على الصعيدين السياسي والاقتصادي.. سيتم تفكيك بنية حزب الله العسكرية وتقتصر أعماله على المساعدات الاجتماعية، وسيعود الفلسطينيون المشردون ولكن إلى العراق، وسيقرأ الأطفال العرب في مناهجهم تاريخ عظماء الولايات المتحدة وعطاءاتهم للعالم بدلا من دروس التربية القومية التي كنا نتعلمها أيام السيادة والعزة القومية، وستقتصر دروس التربية الإسلامية على كل ما يمكن أن ينضوي تحت فكرة (وإن جنحوا للسلم فاجنح له) وسيعود الشعراء إلى تعذيبنا بمفردات الأدب المقاوم دون رحمة، وسوف أموت بالسكتة القلبية وتحصل زوجتي على تعويض وفاة من اتحاد الصحفيين، وسوف تشتم أمريكا مثلما يفعل رئيس اتحادنا صابر فلحوط الذي سأرتاح بعدها من قراءة قصائده الوحدوية دون شك.