سجل الرئيس الفرنسي الجديد إيمانويل ماكرون، في غضون الشهور الثلاثة الأولى من ولايته، انخفاضا ذريعا في الآراء المؤيدة له على مستوى البلد.

أدرك الناخبون، ولو في وقت متأخر قليلا، أنهم لم يكونوا يعرفون الكثير عنه، وباتوا يشعرون بانزعاج عميق من العديد من القرارات التي اتخذها.

في الواقع، كانت أدمغة الفرنسيين قد أصبها الارهاق خلال الحملة الانتخابية من سماع مسلسل يومي يندد بالفساد المفترض للطبقة السياسية بشكل عام. فصاروا من خلال رد الفعل، " مقلعين "، وهو مخطط مماثل لكل الثورات الملونة.

الفرق الوحيد هنا، مع قائمة طويلة من الثورات الزائفة التي نظمتها الولايات المتحدة منذ عام 1989 هو، على ما يبدو، السرعة التي تبدد معها السحر. الأمر الذي فرض على الرئيس أن يحث الخطوات لتمرير اعتماد الإصلاحات التي يعتزم تنفيذها قبل أن يستيقظ الناخبون.

لذا، أعلن عن افتتاح ورشتي عمل ضخمتين: إصلاح قانون العمل، وإصلاح المؤسسات.

إذا كان هناك إجماع على اعتبار قوانين العمل غير ملائمة للظرف الحالي، فإن الحل الذي توخاه فريق ماكرون لم يتوصل إلى توافق في الآراء. ويبدو أنه بدلا من إعادة التفاوض على قواعد العمل مع النقابات وأرباب العمل، فإن الرئيس يدرس الآن إلغاء قانون العمل الحالي والاستعاضة عنه بالقواعد المتبعة في الولايات المتحدة. وهكذا، فإن العقد الذي يتم التفاوض عليه بين العامل ورب العمل، بوسعه أن ينتهك أحكام القانون.

أما فيما يتعلق بموضوع المؤسسات، فقد أعلن الرئيس ماكرون فجأة عن نيته في تخفيض عدد الممثلين المنتخبين إلى النصف، سواء كانوا نواب في البرلمان، أو في مجالس المناطق، أو حتى البلديات. والأمر الأكثر غرابة أن أحدا لم يندد قطعا بوجود فائض في عدد المنتخبين.

في الواقع، فإن الرئيس الفرنسي على وشك إلغاء اثنتين من المستويات الخمسة الحالية للمؤسسات: البلدات، والمحافظات. وبهذه الطريقة، سوف يتمكن من مواءمة فرنسا مع المعايير الأوروبية، التي فرضت بالفعل مجتمعات الكومونات والمناطق.

هذه الإصلاحات لم تكن متوقعة بتاتا، ومنافية جدا للتقاليد الفرنسية، وسيكون من المستغرب أن لاتتسبب بنشوب ثورة حقيقية. وهي تثبت أن إيمانويل ماكرون، الموظف السابق في مصرف روتشيلد، يرى العالم من منظار المجتمع المالي الأنغلو سكسوني.

وهكذا لم يتردد في قطع الاعتمادات المخصصة للدفاع، وإقالة رئيس أركان الجيوش، كما لوكان شيئا وسخا. وهكذا أيضا لم يعد لدى جنوده الإمكانات اللازمة لحماية بلدهم، بل فقط إطلاق عمليات محدودة في الخارج، في بلاد الشام، أو في أفريقيا، للدفاع عن مصالح عدد قليل من الشركات المتعددة الجنسيات.

قام ماكرون بتشكيل فريقه من مستشارين دبلوماسيين ومسؤولين كانوا-بموجب مرسوم من عهد ساركوزي- يتلقون دروسا ... في وزارة الخارجية الأمريكية. واستقبل بلباقة نظيره الروسي في قصر فرساي، قبل أن يوجه له اتهامات غليظة بجميع الشرور المحتملة أثناء مؤتمره الصحفي المشترك. ثم استقبل نظيره الأمريكي بنفس اللياقة، لكن مع مضاعفة الاتصالات السرية مع إدارة أوباما السابقة.

إذا كان قد أبدى ثمة تغيير في موقفه في بلاد الشام، لدرجة إمكانية إعادة فتح السفارة الفرنسية في دمشق، فهو بالتأكيد ليس من قبيل التعاطف مع الشعب السوري.

الواقعية السياسية هي التي أجبرت الجميع على التأكد من أن الغرب قد خسر الحرب في سورية.

ترجمة
سعيد هلال الشريفي
مصادر
سوريا