يبدو أن السيد"ديتليف ميليس"قد حزم أمره تماما وقرر أن يقطع مشوار تحقيقه الدولي المثير للجدل و التکهنات من دون أن يأبه للعواقب و العاديات التي ستهدد حياته"کما سبق وأن لمح لذلک" وقد يکون الرجل رتب أموره في المضي الى نقطة النهاية في هذا الملف الحساس لسبب قد يکون أهم من کل شئ آخر بالنسبة له وهو أن يدخل تأريخ المنطقة کفاتح قضائي لأول مرة في تأريخها الملطخ بأکثر من شائبة في هذا المضمار. ومع مضي هذا القاضي الالماني بکل جدية و بکل ماأوتي من إمکانيات في کشف ملابسات و "منعطفات"حادث الإغتيال الشهير الذي تعرض له السيد الحريري، تزداد التوقعات و التحليلات بخصوص الجولات القادمة من التحقيق والتي مما لاريب فيه سوف تنعطف بمسارات حادة صوب دمشق التي يبدو إنها الاخرى قد عملت کل"بروفاتها" الممکنة و غير الممکنة بخصوص الاسئلة المحتملة"أو الافتراضية" و الاجوبة السورية"الداحضة"لکل شکوک هذا الالماني الذي يظهر إنه لايعرف سوى لغة واحدة أساسها الجد.

ومع إزدياد الوتائر التصاعدية في هذه الدراما المثيرة لقلق دمشق و حلفائها، جاء الخبر الصاعقة الذي نشرته"إيلاف"بشأن إحتمال ترک الرئيس لحود لمنصبه في حال حصوله على ضمانات أکيدة و واضحة بأنه لن يطارد مستقبلا، و الرد العاصف لبعبدا على "إيلاف"الذي أثبت مدى الوضع"المتوتر"الذي يخيم على القصر الرئاسي و باتت ظلاله تنعکس على سوريا، مما يبين بوضوح نجاح"إيلاف"في إختراق الدائرة النفسية لقصر بعبدا و دفعها لإظهار مکنونات سريرتها للملأ، وهذا الامر يؤکد على "ضربة معلم"لهذا الموقع الذي يجاهد دوما لکي يکون متميزا عن تلک النمطية التي يتميز بها الاعلام العربي وهو أمر بات يزعج العديد من عواصم المنطقة.

بيد أن الامر لايتوقف عند هذا الحد وإنما يتجاوزه لسياقات أقوى و أشد دلالة حين تبدي دوائر سورية مخاوفها من مهمة ميليس سيما وأن الکاوبوي الامريکي الرابض خلفه ينتظر إشارة منه حتى تصبح"أيام دمشق لياليا"إن جاز التعبير، وقد وصلت المخاوف الذي أکدت فيها هذا الدوائر إستعداد دمشق للتسوية إن أرادت واشنطن ذلک! والذي يجعل اليانکي الامريکي ينطلق صوب "بردى و قاسيون"ولايلوي على شئ، هو ذلک الدعم الفرنسي القوي الذي يکاد يصل الى ذروته لأمريکا بخصوص الموقف من دمشق التي "عتت" عن أمر باريس أکثر من الذي کان يجب. وقد يکون من سوء حظ الحکم السوري أن يحدث هکذا تطابق أمريکي ـ فرنسي يندر أن يحدث مثيلا له بسهولة، بل إن حظ طهران قد يکون أوفر من دمشق مع فرنسا و أوربا بخصوص ملفها النووي الذي بات من الممکن جدا إحالته الى مجلس الامن فيما إذا تم قياس الامر مع موقف فرنسا و أوربا من سوريا بخصوص الملف اللبناني.

وقد يکون التکذيب الذي نشره بعبدا ضد إيلاف، والتداعيات التي أعقبتها من التخوف الحذر الذي أبدته دمشق ضمنا، بمثابة رأس الخيط"المهم جدا"للسيد ميليس کي يقوده الى فک بقية طلاسم لغز إغتيال رئيس الحکومة اللبناني الاسبق والذي تنتظره مختلف الدوائر الدولية بفارغ الصبر. إن الذي يبدو واضحا و جليا هو أن الامريکيين قد لا يستفادون من إسقاط النظام في دمشق بقدر ماسوف يفيدهم وهو باق يضع نقاط واشنطن على الحروف السورية المبهمة و المتباينة وبمختلف الاتجاهات. وقد تکون الانتخابات الرئاسية التي جرت في مصر أخيرا"برغم المؤاخذات العديدة بشأنها"رسالة واضحة لا لدمشق وحدها وإنما الى کل دول المنطقة التي يتعلق بها الامر کي تعيد النظر بحساباتها مجددا وتکف عن اللعب في مساحات أوسع من تلک التي يحدد لها.

ومع تفاقم المشکلات و تشابک الخيوط حول واشنطن وهي غارقة في الشأن العراقي، بات من المؤکد إنها لاتحبذ في الظرف الدولي الراهن ووضعها الحرج داخليا"بسبب إعصار کاترينا"إعادة السيناريو العراقي في سوريا، وخصوصا وأن مهمة السيد ميليس قد کانت کافية لکي ينقشع الغبار أمام العين الامريکية الثاقبة التي تتطلع بهدوء الى الفارس السوري الذي يظهر إنه قد إرتعدت فرائصه فرقا من هول الضربة التي سوف تقع على الفارس اللبناني المجهد. کما إن لافرنسا و لا أمريکا ترغبان أبدا في "أسد"هصور وهو يصول و يجول في المنطقة بقدر ماهما في صدد أسد يستجيب سريعا لوقع سوط مدربيه ويقوم بحرکات تلفت أنظار شعوب المنطقة لکنها"أي هذه الحرکات"تؤکد أن أسد اليوم هو غير أسد الامس. على أن السوط الذي سوف يلوح به المدربون بوجه الاسد سوف يبقى مسلطا عليه طالما ظن إنه أسد فعلا!

مصادر
إيلاف (المملكة المتحدة)