شفافية و"أسرار دولة".. واستفزازات في الأمم المتحدة!

هل حان الوقت لإجراء تعديلات على الدستور الفرنسي، لتقليص بعض صلاحيات رئاسة الجمهورية؟ وهل تقف أميركا الآن بعد إعصار كاترينا عارية تماماً، أمام العالم؟ ثم إلى أين ستنتهي معركة السفير بولتون من خلال تحرشه بالأمم المتحدة؟ ثلاثة أسئلة نضعها تحت دائرة الضوء في جولة سريعة في الصحافة الفرنسية.

فوضى جمهورية

دفع العارض الصحي الذي ألمَّ بالرئيس جاك شيراك هذا الأسبوع الصحافة الفرنسية إلى الدخول في جدل عن مستقبله الرئاسي، وعن ضرورة إحداث تعديلات جوهرية في الدستور الفرنسي. صحيفة لوموند استعرضت في افتتاحية بالعنوان أعلاه بعض أبعاد هذا الجدل مبرزة ما اعتبرته عيوباً سياسية تحتاج إلى علاج في ممارسات وتقاليد الجمهورية الخامسة التي بدأت منذ سنة 1958، ولعل في مقدمتها الهالة المحيطة بشخص رئيس الجمهورية، والتي يزداد الشعور بها عندما يتعرض لمصاعب صحية خاصة، وقد وقع ذلك مع الرئيسين بومبيدو وميتران، وها هو يتكرر مع شيراك، الذي أمضى عدة أيام في المستشفى هذا الأسبوع، ومع ذلك لم يعرف الفرنسيون شيئاً عن السبب وظل رئيس الحكومة مع ذلك حريصاً على التأكيد بأن صحة رئيس الجمهورية على ما يرام. ما الذي كان يفعل هناك إذن في المستشفى؟ وتتساءل لوموند عن المانع من إجراء تعديل دستوري يقلص من صلاحيات رئيس الجمهورية، ويقلل فترة ولايته الرئاسية؟ كما تؤكد في الوقت نفسه على أن مطالبات بعض قادة اليسار الفرنسي بتفعيل دور البرلمان، لا تنطلق من فراغ، بل إن ثمة ما يبررها لتوسيع هامش اتخاذ القرار، بدلا من تركيز كل شيء في يد الرئيس وحرسه الحزبي المقرب. أما صحيفة لوفيغارو اليمينية فقد نشرت مقالا للمفكر جان فرانسوا ماتيي بعنوان "الشفافية وسر الدولة" تحدث فيه عن المعادلة الصعبة التي أعادها مرض شيراك إلى الواجهة من جديد، وهي معادلة المواءمة بين الشفافية وحق الناس في معرفة كل ما يؤثر عليهم من أمور من يحكمونهم، وبين الأسرار التي تتدرج من حق السياسيين في الحفاظ على سرية خصوصياتهم في حياتهم الشخصية، وتمتد إلى تصنيف أشياء من هذا القبيل على أنها من "أسرار الدولة". ويرى الكاتب أن طريقة إيجاد نوع من التوازن بين بعدي هذه المعادلة هي ما ينبغي أن يجتهد السياسيون والمشرعون في الاستجابة له. غير أن على وسائل الإعلام بوجه خاص ألا تحول حقها في الاطلاع والإخبار إلى تعدٍّ على حياة من تهتم بهم، أحرى أن تعمد إلى فتح جراح شخصية لا تندمل كما حدث في حالة شيراك وصحته هذا الأسبوع.

أميركا عارية

هذا هو عنوان ملف الأسبوع الجاري في مجلة لونوفل أوبسرفاتور، وفي مقالات الملف تغطيات موسعة لإعصار كاترينا وأوجه التقصير والضعف التي شابت استجابة الإدارة الأميركية لإنقاذ وإغاثة المتضررين في مدينة نيوأورليانز. وفي افتتاحية العدد بعنوان:"بعبعنا الأميركي" اعتبر رئيس التحرير جان دانييل أن ما نراه الآن ما هو إلا علامات على بداية سقوط أسطورة طالما تغنى الكثيرون بقوتها وعظمتها غير المحدودتين. ومضى الكاتب قائلاً إن أول ما يفكر الفرنسيون فيه عند ذكر أميركا هو أنها دولة فاحشة الغنى، ما في ذلك شك، ولكنها تبقى مع ذلك مجرد دولة تزدحم فيها طوابير الفقراء، ولها أكثر من خاصرة رخوة، كتلك التي نراها الآن والتي لا يجوز بحال وصفها بأنها مشاهد من العالم الثالث، بل الأقرب إلى الدقة أنها مشاهد من العالم الرابع. وفي مجلة الإكسبريس كتب فيليب كوست مقالا بعنوان "بوش في وجه الإعصار" قارن فيه بين استجابة الرئيس بوش لإعصار كاترينا الآن وبين استجابة والده بوش الأب لإعصار "أندرو" عام 1992، كما استعرض الجهود الهائلة التي تبذل الآن من قبل الوكالات الفيدرالية الأميركية لتلافي التأخر الذي شاب بداية التدخل للحد من معاناة المتضررين. كما استعرض جان مارك بيي في نفس العدد احتمالات تعرض سواحل الولايات المتحدة لأعاصير مماثلة والاستعدادات اللازم اتخاذها مستقبلاً للتقليل من آثار الكوارث في أميركا بصفة عامة. أما صحيفة لوفيغارو فقد عنونت افتتاحية كتبها نيكولا باريه: "بعد كاترينا"، تحدث فيها الكاتب عن أوجه إخفاق إدارة بوش في مواجهة الكارثة، وعن الجدل السياسي الذي وصل حد تشبيه مدينة نيوأورليانز بـ"بغداد غارقة تحت المياه"، كما أبرز قصور استعداد الوكالات الحكومية الأميركية لمواجهة الطوارئ خاصة أن الذكرى الرابعة لأحداث سبتمبر تمر هذه الأيام. وإذا كان إعصار كاترينا تشكل واندفع تحت مراقبة الأقمار الاصطناعية، ومع ذلك ضرب ضربته في الأراضي الأميركية دون رحمة، فإن الإرهابيين لا يعدون لأعمالهم تحت الأضواء وأمام عدسات الرادار، ومن هنا خطورة الوضع بكل المقاييس.

معركة جديدة في حرب قديمة

في صحيفة ليبراسيون كتبت جيلي كاسترو وآخرون مقالاً عن التجاذب القائم الآن في أروقة الأمم المتحدة حول جدول أعمال قمة المنظمة التي ستعقد ما بين 14 و16 من الشهر الجاري، وذلك بعد أن تقدم السفير الأميركي في المنظمة جون بولتون بتحفظات على البيان المعروض على القمة شملت 750 فقرة وصياغة، من أبرزها رفض ما يتعلق بأهداف الألفية لتقليص الفقر، والإشارة إلى الأسلحة النووية، وكذلك المحكمة الجنائية الدولية، واتفاق كيوتو، وإلغاء الديون، وموضوعات أخرى كثيرة يرفضها الممثل الأميركي من الأساس. ويرى كتاب المقال أن معركة بولتون ضد الأمم المتحدة ليست تحرشاً عرضياً أو عابراً وإنما هي معركة جديدة في حرب قديمة هدفها كسر عظم المنظمة الدولية وإخضاعها لرغبات القوة الأعظم، ورغبات ومصالح حلفائها، كما أنه تعبير آخر عن رغبة إدارة بوش في معاقبة الأمم المتحدة وإذلالها لأنه لم ينسَ لها موقفها السلبي من حرب العراق.

مصادر
الاتحاد (الإمارات العربية المتحدة)