المحقق الدولي في جريمة اغتيال رئيس الوزراء اللبناني الأسبق رفيق الحريري انتقل الى مرحلة جديدة‚ وهي استكمال التحقيق في دمشق التي تعرضت منذ البداية لحملة سياسية ودبلوماسية واسعة وقاسية قبل ان ينتهي التحقيق‚ وستبقى كما يبدو واضحا عرضة لهذه الضغوط القوية‚ فالأمر يتعلق في الأصل وفي الأهداف البعيدة باعادة صياغة المنطقة كلها ولا سيما صياغة الاوضاع في الدول والمجتمعات العربية المحيطة جغرافيا وبصورة مباشرة بكيان الاحتلال الاسرائيلي.

ليس من شأننا كمراقبين ان نخوض في تكهنات سريعة عما قد ينتهي اليه المحقق الألماني ميليس في العاصمة السورية فالمعطيات ليست واضحة ولا كافية حتى هذه اللحظة ولكن سواء كان لدمشق دور ما في الجريمة او لم يكن لها اي دور وسواء كان لأحد السوريين او لأكثر دور بعلم قيادته السياسية او بغير علمها فان الوضع السياسي الذي تراكم في الاشهر الثمانية الماضية يؤكد ان دمشق ستدفع ثمنا قد يكون باهظا حتى ولو لم تظهر لها اية علاقة مباشرة في الجريمة المذكورة ذلك ان الظروف السياسية التي تحكم الوضع الدولي والاقليمي تحت وطأة الضغط الاميركي ذي المضمون الاسرائيلي وبالشراكة مع فرنسا هي التي تؤدي الى مزيد من محاصرة دمشق ورفع مستوى الضغوط عليها التي لا تستهدف دورها الاقليمي فقط بل نظامها السياسي ايضا.

هذا الاستهداف القوي والخطير لا يعني سوريا فقط بل يعني لبنان ايضا على مستوى صياغة مستقبله مثلما هو جزء من المشروع الأميركي لاعادة صياغة المنطقة كلها واذا كانت الجريمة البشعة قد اعطت الفرصة لكل ذلك فان التحقيق فيها سيكون عند انتهائه محطة كبيرة بحيث تدخل نتائجه في اعادة التركيب السياسي للبنان ولسوريا وللشرق الاوسط.

ازاء هذا الواقع نحن امام الصورة الآتية: سوريا نحو مزيد من تصاعد الحصار عليها ولبنان يعيش حالة قلق من مرحلة ما بعد تحقيق ميليس وحالة غموض في ما سيؤول اليه وضعه الداخلي خصوصا في ظل الافكار والمشاريع التي بدأت تطل برأسها وتطرح تعديلات في اتفاق الطائف للعام 1989 كما تطرح جهات اخرى اقتراحات لانشاء نظام فدرالي شبيه بما يجري طرحه في العراق ولا يخفى على احد ان مثل هذا الطرح يهدد الوحدة الوطنية بالانفجار عن طريق الصواعق الطائفية.

هذه الوضعية الصعبة تزداد صعوبة عندما نلاحظ ان الوضع العربي برمته يزداد عجزا وارتباكا‚ فاذا اضيفت اليه خصائص الوضع اللبناني الداخلي المعقد طائفيا وسياسيا تتضح عندئذ مدى خطورة المرحلة‚ كما يتضح مدى الكارثة عندما تصبح كل الامور في حالة انتظارية لما سيقوله المحقق الدولي «ميليس».

مصادر
الوطن (قطر)