تدخل مهمة لجنة التحقيق الدولية في اغتيال الرئيس رفيق الحريري السبت المقبل مرحلة جديدة هي بدء رئيسها القاضي الالماني ديتليف ميليس استجواب مسؤولين امنيين سوريين كبار يشتبه في ان لهم دورا في الاغتيال. ومع ان الغموض يحوط مهمة ميليس في دمشق ومدى استعداد القيادة السورية للتعاون معه، فان هذه تكتفي بانكار اي مسؤولية لها في اغتيال الرئيس السابق للحكومة اللبنانية وتحاول ان توصي الى سياسيين لبنانيين لا يزالون على اتصال بها توحي انها لم تتأثر بالضغوط الدولية والاميركية عليها، وان الامر لا يثير اهتماما كبيرا لديها كونها غير معنية به. الا انها تعتقد ان الشكوك في عمل لجنة التحقيق الدولية الى مزيد من التنامي في ضوء سلسلة "اخطاء" متفاوتة الاهمية ارتكبتها في تعاملها مع قضية يقاربها لبنان على نحو مغاير تماما لنظرة سوريا اليها فيما يتوقع ان يرسم التقرير النهائي للجنة التحقيق الدولية في 25 تشرين الثاني ملامح المستقبل السياسي لهذا البلد وقواه.

ويتمثل احد هذه "الاخطاء" في الحساب السوري بايراد اسم نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الدفاع الياس المر في لائحة شخصيات لبنانية وسورية طلبت لجنة التحقيق الدولية كشف ارصدتها المصرفية ومن ثم اعتذار اللجنة عن هذا الخطأ. كما يتمثل في "خطأ" في التجميد الجزئي للتحقيق اللبناني بعد صدور مذكرات التوقيف الوجاهية في حق قادة الاجهزة الامنية السابقين الاربعة اذ لم يحقق القضاء اللبناني بعد توقيفهم الا مع المدير السابق للمخابرات في الجيش العميد ريمون عازار مرة واحدة، فميا يواصل الفريق الدولي تحقيقاته باستقلال كامل عن التحقيق اللبناني. اضف ان القضاء اللبناني لم يتسلم بعد نتائج التحقيق الدولي الذي كان وعد بالحصول عليه.

ويبدو ان الامر قد لا يقتصر على هذا الجانب فقط، اذ في ضوء اجتماعات عقدها سياسيون بارزون لا يزالون على اتصال مباشر بدمشق، تقرر تصعيد وتيرة انتقاد عمل لجنة التحقيق الدولية واثارة مزيد من الشكوك في دورها، وخصوصا ان هؤلاء يعتقدون انها تسعى الى تسييس تحقيقاتها بحيث تصطاد قتلة الرئيس السابق للحكومة وفي الوقت نفسه النظام السوري.

سر الزيارة

ويبدو ان اتجاهات التحرك هذا تسير في منحى مواز للمهمة الجديدة لميليس في دمشق السبت المقبل وسط علامات استفهام رافقت الكشف عن "الزيارة الخاصة" التي قام بها رئيس شعبة الاستخبارات العسكرية السورية اللواء آصف شوكت لباريس.

في وقت تردد ان ميليس اورده في رأس لائحة الاسماء التي رفعها الى السلطات السورية لاستجوابها. وهو امر كان يوجب ان تقابله القيادة السورية بمنع احد الرجال الاقوياء لنظامها، وصهر الرئيس بشار الاسد، من السفر. كذلك كان ثمة ما يوجب على الحكومة الفرنسية عدم منحه تأشيرة دخول بعد ادراج اسمه في لائحة ميليس بصفة مشابهة لتلك التي اضفيت على الضباط اللبنانيين الاربعة قبل توقيفهم، اذ اعتبروا مشتبهاً فيهم ويقتضي مثولهم امام التحقيق الذي تدعمه باريس بقوة. وتالياً فان لسفر شوكت الى فرنسا دلالة ربما كانت تتجاوز "الزيارة الخاصة" التي بالكاد تحدثت الخارجية الفرنسية عنها.

ولكن واقع الامر ان لتوقيت زيارة شوكت بُعداً خاصاً مزدوج الدلالة: فهي اولاً حصلت في المهلة الفاصلة بين الزيارة الاولى للقاضي الالماني لدمشق الاثنين الفائت وموعد بدء استجوابه المسؤولين الامنيين السوريين وبينهم الضابط السوري الكبير اواخر الاسبوع المقبل، الامر الذي يعني حصولها في نطاق مهلة سياسية متبادلة بين دمشق ولجنة التحقيق الدولية. وهي رافقت ثانياً معلومات ديبلوماسية تحدثت عن احتمال ان يكون شوكت نقل رسالة سورية الى باريس حيال موقف قيادته من التحقيق الدولي في اغتيال الحريري، بالتزامن مع ما كان تردد من ان روسيا قدمت الى دمشق ضمانات تتصل بعمل لجنة التحقيق الدولية بحيث لا تتعرض هذه للسيادة السورية في ما يتعلق بطلب توقيف ضباط سوريين كبار قبل توجيه أي اتهام اليهم مسند بادلة حسية، وكذلك الامر بالنسبة الى انشاء محكمة دولية.

على ان السلطة اللبنانية لا تقارب الامر على الطريقة السورية، بحسب مسؤولين لبنانيين متابعين من قرب تحقيقات لجنة التحقيق الدولية:

- فهي تعتبر اغتيال الحريري جريمة سياسية وليست مجرد فعل جرمي، وانه لم يكن في الامكان تنفيذها، اياً يكن موقع منفذيها ودورهم، من دون قرار سياسي.

- ولانها جريمة سياسية، فان دوافعها سياسية. كذلك الامر بالنسبة الى نتائج التحقيق الدولي فيما ستترتب عليها نتائج سياسية بالغة التأثير والخطورة في الوضع اللبناني قد لا تقتصر عليه وحده.

- رغم تأكيد ميليس ان مهمته جنائية غير مسيسة ولا تنطلق من احكام مسبقة في اتجاه اي فريق، الا ان ذلك لا يعني انه لا يرى ترابطاً بين الدافع السياسي والفعل الجرمي. وهذا ما ابرزه من قبل رئيس بعثة تقصي الحقائق بيتر فيتزجيرالد اذ وجد اكثر من سبب لبناني وسوري لتوجيه انتباهه الى هذا الترابط كأحد الدوافع المحتملة للاغتيال. وهو امر يحمل المسؤولين اللبنانيين المطلعين على تحقيقات القاضي الالماني، على القول ان الرجل يذهب الى دمشق وفي جعبته ما يتجاوز الشكوك والاشتباه الى حقائق تتصل بدور سوري ما في اغتيال الحريري.

- رغم معرفة ميليس بأن المسؤولين الامنيين السوريين الذين سيستجوبهم سينكرون اي تهمة قد توجه اليهم، فان ذلك لا يقلل ثقته بصحة ما توصلت اليه تحقيقاته في بيروت انطلاقاً من اعتقاده انه من موقعه والدعم الذي يتسلح به من مجلس الامن هو من يفرض الشروط على محاوره وان يكن سوريا.

وتبعاً لذلك لن يتردد متى وجد سبباً لذلك في الطلب من القضاء السوري اصدار مذكرات توقيف في حق من يشتبه فيه من الذين سيستجوبهم، الا اذا كان القرار السوري الضمني عدم التعاون معه.

مصادر
النهار (لبنان)