بدا امس أن محادثات عضوية تركيا في الاتحاد الاوروبي، التي انطلقت في لوكسمبورغ ليل الاثنين الثلاثاء، ستتحول الى تحد مزدوج لتركيا التي اعتبرتها بداية <<معركة كبيرة>> لتطبيق الاصلاحات الداخلية، وللاتحاد الذي حرص على الاشارة الى أن العضوية <<ليست مضمونة ولا آلية>>، بل تتطلب <<ثورة ثقافية>> بحسب تعبير الرئيس الفرنسي جاك شيراك الذي رأى في المقابل أن تركيا قد <<تقع في التطرف>> اذا أغلقت أوروبا أبوابها في وجهها.

وأوضح مفوض التوسيع في الاتحاد، أولي رين، أنه سيزور أنقرة يوم غد الخميس أو يوم الجمعة لبحث الترتيبات العملية للمحادثات، التي تبدأ مع إجراء عملية مراجعة للقوانين التركية لتحديد درجة انسجامها مع التشريعات الاوروبية، وذلك في 20 تشرين الاول الحالي، على أن تبدأ المحادثات العملية نفسها بعد عام. وأوضح رين أن المفاوضات ستأخذ بين <<10 و15 عاماً>>.

وقال مسؤولون أوروبيون إن مفاوضات العضوية قد تتعثر، ما
لم تفتح تركيا مرافئها ومطاراتها أمام قبرص بحلول العام المقبل.
من جهته، قال رئيس المفوضية الاوروبية خوسيه مانويل دوراو باروسو إن <<الهدف هو العضوية. أعتقد أن ذلك ممكن>> مضيفاً <<لكن العضوية، كما هي الحال بالنسبة الى كل بلد، ليست مضمونة ولا آلية. الكثير يعتمد على التطور من الآن الى ذلك الوقت>>. وتابع <<يتعين على تركيا أن تظفر بقلوب وأفكار المواطنين الاوروبيين. إنهم هم الذين سيقررون، في نهاية الامر، حول عضوية تركيا>>. وتابع ان <<أشياء كثيرة تظل رهناً بتطور الامور منذ الآن، ولا ندري كيف ستكون تركيا وأوروبا بعد عشر أو عشرين سنة>>.

تركيا

وقال رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان أمام نواب من <<حزب العدالة والتنمية>> الحاكم الذي يتزعمه <<لقد بدأ العمل الحقيقي الآن>> مضيفاً ان عضوية الاتحاد <<ليست حلماً أو هدفاً سهلاً>>. وتابع ان <<العضوية على وشك أن تحوّل تركيا الى مجتمع ديموقراطي وحر وعادل>> موضحاً <<ان تطبيق (الاصلاحات الديموقراطية) خصوصاً سيضعنا على المحك. وستكون هناك معركة كبيرة لتطبيق تام>> لهذه الاصلاحات استجابة للمطالب الاوروبية. وقال <<سنواصل طريقنا بالعزم نفسه>>.

وقال أردوغان <<ان هدفنا المثالي هو أن تحتل تركيا مكانتها بين الدول الديموقراطية والحرة والمتقدمة. والاتحاد الاوروبي هو الطريق الافضل لبلوغ هذا الهدف>> معتبراً أن <<ما سيحدد الاطار الحقيقي للمفاوضات هو عزم تركيا، وقد برهنت تركيا حتى الآن على هذا العزم>>.

من جهته، قال وزير الخارجية التركي عبد الله غول، الذي عاد الى أنقرة امس وسط التصفيق في المطار، <<هكذا فتح كل فرد عينيه هذا الصباح. شرق، غرب، آسيا، أوروبا، الاسلام والمسيحية، للمرة الاولى اننا نشهد وحدة بدل النزاع والانشقاق>> معتبراً الامر <<هدية الى العالم>> موضحاً أنه <<في خلال 5 أو 6 سنوات، سيعترف الاتحاد الاوروبي نفسه بحسنات القبول بتركيا>>.

وقال غول في مؤتمر صحافي في لوكسمبورغ <<لن يكون هناك تغيير في موقفنا اليوم إلى أن تكون هناك تسوية دائمة في قبرص>>. ويريد الاتحاد الأوروبي من تركيا التحرك نحو الاعتراف بقبرص اليونانية، العضو في الاتحاد، وذلك خلال محادثات عضوية أنقرة. وتابع غول <<يجب أن يطمئن أشقاؤنا في قبرص التركية الى دعمنا السياسي والاقتصادي المستمر>> لهم.

وتجنب غول ونظيره القبرصي جورج اياكوفو، أن يتصافحا في لوكسمبورغ. وكان المتحدث باسم الحكومة القبرصية قد حذر أنقرة قائلاً إن <<الدول الاعضاء ال25 في الاتحاد الاوروبي ليست مستعدة لان تفرش السجاد الاحمر لتركيا لتسير عليها على هواها>> مشدداً على أن نتائج مفاوضات العضوية <<غير مضمونة>>.

غير أن رئيس <<حزب الشعب الجمهوري>> المعارض دينيز بايكال، قال من جهته، أمام نواب حزبه، ان وثيقة إطار المفاوضات مع تركيا تتضمن <<قيوداً وأفخاخاً مستمرة>> مضيفاً أن <<الوثيقة غايتها الوصول الى شراكة مميزة>> بدل العضوية الكاملة.

شيراك

وفي مؤتمر صحافي مشترك مع رئيس الحكومة الايطالية سلفيو برلوسكوني، عرض شيراك أسباب تأييده لانضمام تركيا الى الاتحاد. وقال <<ينبغي أن نفكر قليلا في المستقبل، نرجو أن نترك لأبنائنا أوسع مكان ممكن يتجذر فيه السلم والديموقراطية حقا>>، مضيفاً <<نريد ايضا أن تكون أوروبا هذه قوية>>. وتابع <<عندما ننظر الى أوروبا في وضعها الراهن، اذا نظرنا اليها من طرف المنظار نقول اننا كنا في حال جيدة مع ستة أعضاء، لكن هذا لا يلبي أياً من شروط المستقبل على صعيد السلام والديموقراطية>>.

وأوضح شيراك <<لا يمكننا أن نتجاهل أن هذه المساحة من السلام والديموقراطية والقوة تفترض في الواقع حضور تركيا>>. وقال <<اذا قلنا في رد عفوي ومن دون ترو إنهم ليسوا أوروبيين فليذهبوا وشأنهم، فمن يمكنه أن يؤكد لنا أن هذا الكيان لن يقع في التطرف؟>>. وسأل <<هل تدركون ما يمثله ذلك من خطر؟ العالم الاسلامي الذي يحيط بتركيا يضم 350 مليون نسمة، هل تدركون المسؤولية الملقاة على عاتقنا في حال قلنا: لا، لا نريدكم، اذهبوا وشأنكم>>. واعتبر انه <<يحق لشعب أن ينضم الى قيمنا، فهو يؤمن بذلك، وهو قوة لا يستهان بها ويعطي لأوروبا البعد الضروري لتكون حاضرة في عالم الغد>>.

وسئل شيراك عن استطلاعات للرأي أظهرت أن الرأي العام الفرنسي يرفض بغالبيته انضمام تركيا، فأجاب <<من يسمح لكم اليوم بالقول ماذا يريد الفرنسيون بعد 15 سنة؟ باسم أي مبادئ يعطي أحدهم لنفسه الحق في التكلم باسم أولادنا أو أحفادنا؟>>. وذكّر بتنظيم استفتاء في فرنسا حول القرار النهائي لافتاً الى أن <<الفرنسيين سيحتفظون بقرارهم بين أيديهم مهما حصل وكما يحصل عادة في الديموقراطيات>>.

وكرر الرئيس الفرنسي ان دخول تركيا الى الاتحاد يتطلب منها أن <<تبذل كل الجهود الضرورية>> لتبني قيم الاتحاد <<برمتها>> معتبراً <<انه جهد كبير وثورة ثقافية رئيسية>>. وسأل <<هل تستطيع (تركيا) تحقيق ذلك، لا أدري، آمل ذلك لكني لست واثقاً على الإطلاق. فلنكن مهذبين بشكل كاف وهذا في مصلحتنا لدى بحثنا هذا الأمر>> لافتاً الى <<أنها تحتاج الى وقت طويل لا يقل عن 10 الى 15 سنة كحد أدنى>>. وتابع <<في حال أخفقت تركيا فسنرى طبيعة العلاقات المميزة التي يمكن أن نقيمها معها اذا ظلت راغبة في ذلك>>.
وشدد شيراك على أن عضوية تركيا في الاتحاد <<ستمنح قوة كبيرة تعطي أوروبا الحجم الضروري لوجودها في عالم الغد>> لمنافسة قوى عظمى مثل الولايات المتحدة والصين والهند وروسيا.

من جهته، اعتبر برلوسكوني أن <<قول لا لتركيا أمر لا يغتفر>>، مشيداً ب<<الموقف الشجاع>> للرئيس الفرنسي. أضاف ان <<تركيا صارت بلداً علمانياً ومنحت نفسها دستوراً علمانياً>>، مشدداً على أنه <<لا يمكننا تفويت فرصة إقامة جسر بين الغرب والعالم الاسلامي>>. وتابع <<اذا رفضنا المحبة فقد تتحول كراهية>>.

بلير

من جانبه، قال رئيس الوزراء البريطاني طوني بلير، في مؤتمر صحافي مشترك مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في لندن <<لقد حققنا نجاحاً. انه تغيير كبير للاتحاد الاوروبي ومن غير الطبيعي ألا يحصل قلق لدى بعض الدول الاعضاء>>. أضاف <<ثمة وقت كاف لتبديد هذه الشكوك والمخاوف، لكنني متأكد أن هذا الموضوع سيثير جدلاً في السنوات المقبلة سواء في تركيا أو الاتحاد>>.

مصادر
السفير (لبنان)