بعد قمة الألفية التي انعقدت في بداية القرن الواحد والعشرين، جاءت القمة العالمية هذه السنة بمناسبة انعقاد الدورة العادية للجمعية العامة للأمم المتحدة. وعلى رغم الطموحات الكبيرة التي علقتها البشرية على أعمال الأمم المتحدة، وضرورة إنجاز الاصلاحات في بنيتها واستراتيجيا عملها... فإن مطلب الاصلاح ما يزال قائماً وينتظر التحقيق.

ترى ما هي العقبات التي تحول دون تقدم الأمم المتحدة نحو الاصلاح ومواكبة آمال الأسرة الدولية في التنمية والسلام والأمن؟
وماذا تحقق من الأهداف المرجوة والمعلنة سابقاً؟ وما هي الأهداف التي تبدو معلقة التنفيذ الى يومنا هذا، والتي أفصح عنها أمين عام الأمم المتحدة العالمية أو أمام الجمعية العامة؟
من أبرز العقبات وجود انقسامات عميقة بين الدول الأعضاء حيال قضايا التسلح، ومكافحة الارهاب، والتنمية الاقتصادية، ومواجهة الآثار السلبية للعولمة... فضلاً عن ضعف أداء المؤسسات الأممية لأسباب مالية وإدارية وسياسية.

وتلاحظ تقارير المنظمة الدولية ان غياب الارادة السياسية في التغيير والاصلاح سبب رئيس للمراوحة في معالجة مشكلات التنظيم الدولي على رغم الاقتناع العام بضرورة وجود هذا التنظيم والسعي الى تطويره. ونعتقد بأن ازدواجية المعايير في تطبيقات القانون الدولي أسهمت الى حد بعيد في تغييب الارادة السياسية عند المجتمع الدولي. وقد تحتاج هذه الارادة كي تتبلور، وبمعزل من خريطة توزيع القوى الدولية واكتساب القوة المادية.

إن هذا الواقع الذي سيطر على أعمال المنظمة الدولية لم يمنع من تحقيق بعض الانجازات، أو السير بخطوات واضحة نحو التقدم الانساني. ولعل أبرزها يكمن في: إنشاء صندوق الديموقراطية، ووضع الصيغة النهائية لاتفاقية مكافحة الارهاب النووي، وتخصيص مبلغ إضافي مقداره خمسون مليار دولار سنوياً لمكافحة الفقر بحلول العام 2010. وهناك أمل في إبرام اتفاقية شاملة لمكافحة الارهاب في العام المقبل... أما على الصعيد السياسي العام فهناك اقتناع أممي بعجز أية دولة عن مواجهة تحديات الأمن والتنمية بمفردها ومهما أوتيت من القوة والنفوذ. ولعل نتائج الكوارث الطبيعية التي حصلت في الولايات المتحدة الأميركية أوضح دليل على هذا الاقتناع، عندما تضامنت الأسرة الدولية لمعالجة النتائج المدمرة.

الى ذلك، نلاحظ كيف أن الأمم المتحدة تمكنت من إطلاق ثقافة عالمية حول التنمية وحماية البيئة الطبيعية، والدفاع عن حقوق الانسان... هذا على رغم الاحباطات المتكررة في مجال حفظ السلم والأمن الدوليين، والفشل في وقف التسلح التقليدي والنووي.
في المقابل، ثمة أهداف كبرى ما تزال تنتظر الارادة السياسية كي تصير واقعاً عالمياً. أولها إصلاح مجلس الأمن في بنيته وأدائه بعدما تجمدت هيكليته على قاعدة العضوية الدائمة للمنتصرين في الحرب العالمية الثانية. لقد تبدلت قوى دولية، فتراجعت قوى وصعدت قوى أخرى. ولم تعد معايير القوة عسكرية فقط، لقد تقدمت المعايير الاقتصادية والتكنولوجية والثقافية في عصرنا... وها هي دول مثل اليابان وألمانيا والبرازيل والهند وجنوب افريقيا تحاول الحصول على مقعد دائم في مجلس الأمن، ناهيك عن مطالبة العالم النامي أو عالم الجنوب بتمثيل أصح داخل المجلس يعكس حجم الدول النامية ومدى تأثيراتها في الأسرة الدولية. على رغم أهمية هذا الهدف إلا أنه ما يزال بعيد المنال كما أفصح الأمين العام وتقارير الأمم المتحدة ذات الصلة.

وبصراحة كلية أعلن الأمين العام أمام الجمعية العامة عن فشل المجتمع الدولي في مجال عدم الانتشار النووي ونزع السلاح. والأغرب من ذلك هو تركيز قوى دولية على دولة دون أخرى في هذا المضمار، بحيث يجري الضغط على إيران لمنع تخصيب اليورانيوم للأغراض السلمية بينما تعلن اسرائيل عن امتلاكها للرؤوس النووية وبما يهدد السلم والأمن في الشرق الأوسط والعالم. وما تزال تجارة السلاح رائجة بحيث يجري استهلاكها في حروب داخلية وإقليمية عبثية، فالولايات المتحدة هي الدولة الأولى المصدرة للسلاح تليها كل من روسيا وبريطانيا وفرنسا واسرائيل...

أما هدف محاربة الفقر فما يزال يتخبط وسط الوعود الدولية بتخفيض مديونية العالم النامي، وتقديم المساعدات السنوية من الدول الصناعية. وعلى رغم مرور عقد من الزمان على مؤتمر كوبنهاغن الاجتماعي العالمي، فإن أهدافه ما تزال معلقة بنسبة كبيرة. أعداد الفقراء تتزايد، وخالصة في عالم الجنوب، ومديونية دول الجنوب تطيح بآمال التنمية، بل إنها تطيح بإمكانيات التنمية على رغم نصائح البنك الدولي في هذا الصدد.

وعندما تحدد الأمم المتحدة أنشطة مخصصة لمكافحة الارهاب، وتحضر لإبرام اتفاقية دولية لمكافحة الارهاب، تفشل في تحديد مفهوم الارهاب. هكذا يصعب وضع قانون لمكافحة جريمة بدون تحديد أركانها أولاً. ما تزال الاعتبارات السياسية تحول دون انقاذ الانسانية من وطأة الارهاب المتسع والمتنقل في أرجاء العالم.

يبقى أن بقاء الأمم المتحدة هو أفضل من إلغائها، إنها حاجة للانسانية من حيث هي تجسيد عملي لفكرة التنظيم الدولي القائمة على التعاون بين الدول والمجموعات الدولية في إطار القانون الدولي الذي يحاول التخفيف من سلبيات السياسة الدولية.

مصادر
المستقبل (لبنان)