يميل عدد من متابعي الاوضاع العربية وخصوصا اللبنانية والفلسطينية الى الاعتقاد ان "حزب الله" اللبناني وحركة المقاومة الاسلامية "حماس" الفلسطينية يتشابهان كثيراً سواء من حيث العقيدة او الاهداف او الاسلوب. فالاثنان ينتميان الى التيارات الاسلامية الاصولية، رغم "شيعية" الاول وسنّية الثانية. والاثنان يؤمنان بـ"الجهاد" السياسي والعسكري اسلوبا وحيدا لتحرير الاراضي المحتلة من اسرائيل فلسطينية كانت او لبنانية او سورية. وقد مارسا ايمانهما هذا باخلاص وتفان مشهودين ونجح الحزب بواسطته عام 2000 في تحرير معظم الاراضي اللبنانية التي كانت تحتلها اسرائيل، والحركة عام 2005 في تحرير غزة الفلسطينية من قبضتها. والاثنان يرفضان الحلول الوسط سواء لقضية فلسطين او للصراع العربي – الاسرائيلي عموما اقتناعا منهما بان هذا النوع من الحلول لا بد ان يكون على حساب حقوق كل من الشعبين الفلسطيني واللبناني فضلا عن الشعوب العربية الاخرى. وقد ترجما هذين الرفض والامتناع باصرار "حماس" على تحرير كل فلسطين المغتصبة وباصرار "حزب الله" على عدم الاكتفاء بتحرير الاراضي اللبنانية المحتلة والعمل وان بوسائل تختلف عن وسائل "حماس" لتحرير فلسطين هذه ولاستعادة القدس المقدسة عند العرب والمسلمين. والاثنان يتعاونان بل وينسقان في لبنان وخارجه وباكثر من طريقة بغية استمرار نجاحهما في مقاومة العدو الواحد الذي هو اسرائيل. ويعملان انطلاقا من هذين التعاون والتنسيق للمحافظة على وضع قائم في لبنان لكل منهما فيه موقع مميز ودور كبير اقتناعا منهما بانه يساعد في حماية لبنان من استمرار الاعتداءات الاسرائيلية المتنوعة عليه وفي منع استهداف الوجود الفلسطيني على ارضه بل السلاح الفلسطيني الذي لا يزال له دور اساسي ومهم في الصراع الفلسطيني – الاسرائيلي.

هل الميل الى الاعتقاد المفصل اعلاه عند متابعي الاوضاع العربية وخصوصا اللبنانية والفلسطينية في محله؟

انه كذلك من الناحية المبدئية. لكن التشابه الواسع بين "حزب الله" و"حماس" لا يلغي وجود فوارق بينهما قد يكون بعضها جوهري. ففي البداية لا يمكن انكار كون الاثنين وطنيين بمعنى ان الاول يضم "مجاهدين" لبنانيين دفعوا الكثير من دمهم ومن حياتهم لتحرير جزء من وطنهم، وان الثانية تضم "مجاهدين" فلسطينيين دفعوا الثمن نفسه ولا يزالون بغية استعادة ارض مغتصبة. لكن لا بد من الاشارة في الوقت نفسه الى شيء من الاختلاف في نشأة كل منهما. فـالحزب لعبت الجمهورية الاسلامية الايرانية دورا محوريا ومباشرا في نشأته منذ الاجتياح الاسرائيلي للبنان عام 1982 ثم دورا اساسيا في دعمه سياسيا وبالسلاح والمال، ولعبت سوريا لاحقا اي بعد سنوات من متابعته والخوف منه دورا محوريا في حمايته وفي تكوين الظروف التي جعلته المقاوم الوحيد على الساحة ولاحقا المحرر الوحيد من الاحتلال الاسرائيلي وخصوصا بعدما ادخلته في استراتيجيتها العامة بحيث صار ركنا اساسيا منها. اما الحركة الفلسطينية فكانت نتاج عوامل عدة ابرزها ثلاثة. الاول، الوجود القوي لـ"الاخوان المسلمين" على الساحة الاسلامية العربية وخصوصا الفلسطينية المعتبرين اساسيين في انطلاق "حماس" واستمرارها. والثاني، دخول المقاومة الاساسية المتمثلة بـ"فتح" العمود الفقري لمنظمة التحرير الفلسطينية عملية سلمية بدأت عام 1991 وتعثرت كثيرا بعد ذلك لاسباب عدة بعضها فلسطيني وبعضها الاكبر اسرائيلي ودولي الامر الذي دفع "جماهير" فلسطينية واسعة الى اليأس او بالاحرى الاحباط من "فلسطينيي السلام" وتاليا الى التوجه الى "فلسطين الحرب او الجهاد". وقد ساعد في ذلك كون معظم "فلسطينيي السلام" من جماعة الخارج او الشتات ومعظم فلسطينيي الحرب او "الجهاد" من اهل الداخل. اما السبب الثالث فهو تغاضي اسرائيل وتحديدا في بدايات "حماس" عن نشاطها ليس حبا بها وليس لوجود تفاهمات ما بين قيادات منهما كما يحلو للتبسيطيين ان يعتقدوا بل رغبة في اضعاف منظمة التحرير وعمودها الفقري "فتح" ورئيسها الزعيم التاريخي ياسر عرفات الذي رحل عن هذه الدنيا العام الماضي. وهو تغاض دفع الاسرائيليون ثمنا كبيرا له ولا يزالون يدفعون وسيستمرون في دفعه.

ولا بد من الاشارة ايضا الى وجود شيء من الاختلاف حول الاهداف العملية وليس الايديولوجية بين "حزب الله" وحركة "حماس". فايديولوجيا الاثنين مع استعادة كل فلسطين وهما يجهران بذلك يوميا. اما عمليا فان "حزب الله" مع تحرير الاراضي اللبنانية المحتلة عسكريا ومع ابقاء جهوزيته العسكرية لصد اعتداءات اسرائيل ومع رفض الصلح معها. وهو قد يكون ايضا مع المساهمة من خلال لبنان في تمكين سوريا من استعادة اراضيها المحتلة بابقاء الضغط والتهديد العسكريين منه على اسرائيل. اما "حماس" فانها لا تزال مع التحرير الكامل لكل فلسطين. ولا تقلل من هذا الالتزام مواقف معينة وان قليلة تتحدث عن تحرير الاراضي المحتلة عام 1967 كهدف مرحلي وعن متابعة المقاومة لاستعادة الاراضي المحتلة عام 1948 من طريق تكوين الظروف المحلية والاقليمية والدولية الملائمة لذلك. ولا بد من الاشارة ثالثا الى وجود شيء من الاختلاف على الاقل الآن وفي المستقبل المنظور حول "مستقبل" كل من الحركتين الجهاديتين اللبنانية والفلسطينية. فـ"حماس" لا تزال في مرحلة صعود سياسي داخل فلسطين الـ1967 والـ1948 لان "حرب التحرير" الشاملة او الجزئية لا تزال في ذروتها رغم انقضاء نحو 40 سنة على بدء الكفاح الفلسطيني المسلح ونحو 57 سنة على اغتصاب فلسطين ولان دورها في هذه الحرب يتعاظم باطراد. ويظهر ذلك من خلال توسع شعبيتها وتحولها تدريجا رقما صعبا داخل فلسطين وخارجها. اما "حزب الله" فهو الآن في مرحلة جمود عسكري اذا جاز التعبير، ذلك انه حقق هدفه اللبناني او معظمه اي تحرير الاراضي المحتلة. ولا يستطيع تجاوز حدود معينة في مساعدته الفلسطينيين لتحقيق هدفهم الايديولوجي. فضلا عن ان المجتمع العربي والدولي الذي تفهم طويلا مقاومته العسكرية لاسرائيل لم يعد يرى موجباً لها، علما ان الشعب اللبناني لم يعد موحدا ليس على دوره العسكري الذي اتخذ وهو الذي يحترمه ويحرص عليه وليس على دوره السياسي الواسع حاليا الذي يعتبره حقاً له بل على متابعة الدور العسكري في ظروف غير ملائمة خارجيا وداخليا وبغية تحقيق هدف ملتبس، ليس بهويته اللبنانية، بل بالقدرة على تحقيقه بوسائل غير عسكرية وباثمان سياسية لا قبل للبنان بدفعها. والجمود يفترض ان يوصل في مرحلة ما الى وقف العمل العسكري وان مع استمرار العمل السياسي وعلى نطاق واسع. ولا بد من الاشارة رابعا الى اختلاف غير قائم حاليا بين "حزب الله" وحركة "حماس" ولكنه قد يوجد لاحقا وخصوصا اذا تفاقم الاختلاف اللبناني – الفلسطيني على السلاح الفلسطيني في لبنان وعجز فريقاه عن ايجاد حلول له. واذا صار هذا السلاح اداة اقليمية للضغط في اكثر من اتجاه وذلك عبر تكرار تجربة الانتشار الفلسطيني المسلح في لبنان. وهو انتشار لا يستطيع "حزب الله" قبوله لاعتبارات كثيرة.

طبعا يتحدث فلسطينيون متابعون كثيرون عن عمل جدي تبذله ايران الاسلامية لايجاد مرتكزات لها داخل المخيمات الفلسطينية في لبنان مباشرة او بمساعدة من "حزب الله" ويتحدثون عن نجاح مبدئي لهذا العمل. لكن احدا لا يستطيع التكهن بمستقبله لاسباب عدة اهمها المذهبية القائمة اصلا والتي وضعتها في الواجهة العربية والاسلامية حرب العراق.

لماذا الكلام الآن على هذا الموضوع؟

ليس لاثارة الفتن او لاذكاء النعرات، بل لدعوة اللبنانيين الى عدم الاخذ بظواهر الامور في هذا الموضوع وغيره والى البحث العميق في الخلفيات لانها الاساس ولان ذلك وحده يمكّن من ايجاد الحلول للمشكلات الكثيرة وخصوصا بعدما صار الجميع في لبنان من لبنانيين وغير لبنانيين باطنيين من الدرجة الاولى.

مصادر
النهار (لبنان)