... شيراك يستقبل الحريري والقضاء يدعي على الشقيقين عبد العال... دمشق بين التقريرين ومخاطر «البند السابع» وميليس قد يستجوب سوريين في قبرص
رجحت مصادر سياسية لبنانية وأخرى رسمية لـ «الحياة» ان ينتقل رئيس لجنة التحقيق الدولية القاضي ديتليف ميليس وقسم من فريقه الى قبرص لاستجواب مسؤولين سوريين فيها، في حال اصدر مجلس الامن الاثنين المقبل قراراً يدعو دمشق الى التعاون الكامل مع اللجنة والى مثول أي مسؤول يطلبه الى التحقيق، في حين رفعت واشنطن وتيرة ضغوطها على دمشق وطالب ممثلها في الامم المتحدة بتمكين ميليس من استجواب أي مسؤول سوري بمن في ذلك الرئيس بشار الأسد نفسه.

واضافت المصادر اللبنانية ان ميليس سيطلب مثول بعض من الشخصيات السورية التي استجوبها الشهر الماضي قرب دمشق مرة ثانية، اضافة الى مسؤولين آخرين لم يستمع إليهم. وتوقعت ان يبقى ميليس فترة في قبرص في ظل ما أعلنه عن تلقي اللجنة الدولية تهديدات جدية، وأن يستمع الى بعض الشهود او المشتبه بهم هناك. ولهذا السبب فإن مشروع قرار مجلس الأمن ينص على اعتقال السلطات السورية لمسؤولين يشتبه بتورطهم.

وكانت الولايات المتحدة وفرنسا هددتا الحكومة السورية بعقوبات اقتصادية إذا فشلت في تلبية أربعة مطالب محددة تشمل: «اعتقال» مسؤولين سوريين و «استجواب» آخرين خارج البلاد، إذا طلب ميليس ذلك. وطرحت الدولتان مشروع قرار أمام أعضاء مجلس الأمن تضمن فرض عقوبات محددة، تشمل حظر السفر وتجميد الأموال والممتلكات، على الذين صنفهم التحقيق «مشتبهاً بهم» وهم عشرة لبنانيين حتى الآن.

وتلقى أعضاء مجلس الأمن امس تقرير الأمين العام كوفي انان بشأن مراقبة تنفيذ القرار 1559 التي كلف بها مبعوثه الخاص تيري رود لارسن، فيما بدأت مساء أمس مشاورات غير رسمية بشأن مشروع القرار الاميركي - الفرنسي الذي سيتطلب تنازلات اذا كان له ان يحظى بالاجماع المنشود بين اعضاء المجلس.

وأشار انان في تقريره الى مجلس الأمن عن تنفيذ القرار 1559 الى «الصعوبات التي برزت وهي ذات علاقة بالسيطرة على الحدود بين لبنان وسورية، ومسألة النقل غير الشرعي للأسلحة والأفراد نحو المجموعات الفلسطينية المسلحة في لبنان». كما ذكر مراراً في التقرير المشاكل الناتجة عن ميليشيات الفصائل الفلسطينية الموجودة في لبنان والتي تتخذ من دمشق مقراًَ لها.

ودعم أنان ليس فقط اقامة علاقات ثنائية رسمية بين لبنان وسورية متضمنة «ترسيم الحدود» بينهما واقامة العلاقات الطبيعية، بل دعم ايضاً «قيام حوار لبناني - فلسطيني رسمي من خلال لجان ثنائية يؤدي الى اقامة علاقات ديبلوماسية رسمية». كذلك أعرب الأمين العام عن تطلعه الى «حوار محلي رسمي في شأن سلاح الميليشيات اللبنانية». ووجه تقرير انان الى «حزب الله» رسالة واضحة هي: «ان حمل السلاح يتناقض مع المشاركة في العملية السياسية لأنه يتنافى مع سلطة الدولة». واضاف انه «حتى لو كانت المزاعم اللبنانية بشأن مزارع شبعا شرعية، فإن المسؤولية تقع على الحكومة اللبنانية وحدها» للتطرق الى هذا الأمر بصورة «تتماشى مع القانون الدولي وقرارات مجلس الأمن ذات الصلة».

وسعى بعض أعضاء مجلس الأمن الى الفصل بين القرارين 1595، الذي أعطى ديتليف ميليس صلاحيات لا سابقة لها للتحقيق في «العمل الارهابي» الذي أودى بحياة الحريري ورفاقه، والقرار 1559 الذي يتطرق الى سيادة لبنان الكاملة. ولاحظ بعضهم ان مشروع القرار الاميركي - الفرنسي ربط بين الاثنين. وبدأت المفاوضات على مشروع القرار المتوقع ان يتبناه مجلس الأمن على مستوى الوزراء الاسبوع المقبل.

وعلم مساء امس في باريس ان الموقف الروسي من مشروع القرار سيعلن اليوم، اما الصين فاعتبرت ان الصيغة الحالية «خطيرة جداً»، ولم يعرف شيء محدد عن الموقف البرازيلي، فيما رأت الجزائر ان عناصر المشروع تذهب ابعد من جريمة الاغتيال بتشديدها على انها «عمل ارهابي». ورجحت مصادر فرنسية ان يمر القرار «لكن بعد تعديلات لا تفقده قوته».

وقال ممثل الولايات المتحدة جون بولتون ان المطالبة بمثول المسؤولين السوريين امام لجنة التحقيق تشمل بالطبع الرئيس السوري بشار الاسد لأن لا أحد فوق القانون. واضاف انه «اذا وجد الاسد وقتاً للتحدث الى وسائل الاعلام فسيجد بالتأكيد الوقت للتحدث الى اللجنة».

ورداً على سؤال بشأن التحفظات الروسية عن مشروع القرار الاميركي - الفرنسي - البريطاني المشترك، قال بولتون: «لا عقوبات في المشروع ضد دولة، بل ضد افراد مشتبه بهم وهذا شيء منطقي كلياً». وتابع: «اذا لم يحصل تعاون سوري فمن الملائم تماماً النظر في اجراءات اضافية، وهذا جزء من ارسال رسالة قوية الى سورية بأنه بحلول 15 كانون الاول (ديسمبر) نريد تعاوناً فاعلاً من دمشق». وأبدى تمسكه الشديد باصدار القرار بموجب البند السابع من ميثاق الامم المتحدة، وقال: «نريد من سورية افعالاً وليس اقوالاً فقط بشأن تعاونها مع لجنة التحقيق».

وقال العضو العربي الوحيد في مجلس الأمن، السفير الجزائري عبدالله بعلي، لـ «الحياة» أمس: «اننا ما زلنا في مرحلة دراسة وتحليل مشروع القرار. الأكيد ان لدينا بعض المشاكل مع المشروع ومن بينها التهديد باللجوء الى عقوبات طبقاً للمادة 41 من الميثاق والتي تتضمن عقوبات اقتصادية وديبلوماسية وغيرها». وأضاف: «موقفنا الثابت هو ضد العقوبات. ونحن نعتقد بأن في هذه المرحلة، وهي مرحلة أولية، ليس من المناسب ان تفرض عقوبات أو يهدد بفرض عقوبات». وزاد: «نحن حريصون كل الحرص على ان نعرف كل الحقيقة حول اغتيال المرحوم الرئيس رفيق الحريري وعلى امتثال مرتكبي الجريمة أمام المحكمة. وتعاون الجميع أمر أساسي. لكن لا يمكن أن نقبل بأن يخرج مشروع القرار من هذا الاطار، أي اطار معرفة الحقيقة حول اغتيال الحريري». وأضاف: «هناك فقرات نحن في صدد دراستها. وانطباعنا الأولي هو ان بعض هذه الفقرات لا يتناسب والهدف الذي نسعى اليه وهو الحقيقة».

شيراك والحريري

وفي باريس، استقبل الرئيس الفرنسي جاك شيراك أمس رئيس كتلة «المستقبل» النائب سعد الحريري، وأكد له الأهمية التي توليها فرنسا لأخذ العدالة مجراها في جريمة اغتيال الرئيس الحريري. ونقل الناطق باسم الرئاسة الفرنسية جيروم بونافون عن شيراك قوله إن هذا هو الهدف الذي ترغب فرنسا في تحقيقه. وحيّا شيراك مهنية وحياد تقرير ميليس، وقال إنه لا بد من بذل كل الجهود لاستخلاص كل التبعات المترتبة على هذا التقرير.

وحرص شيراك بعد اللقاء، الذي دام 45 دقيقة، على مواكبة الحريري حتى باب القصر الرئاسي، حيث ودعه مقبلاً اياه. وشدد الرئيس الفرنسي، وفقاً لبونافون، على ضرورة تعاون الأطراف، خصوصاً سورية، مع التحقيق من دون تحفظ.

وصرح الحريري بعدها، أنه تناول مع شيراك الفرصة المتاحة الآن أمام لبنان، كون الأسرة الدولية بأكملها راغبة في مساعدته، وأن لدى لبنان أصدقاء كثراً رغم أن المشوار صعب. وحول موقفه من العقوبات على سورية، قال الحريري إنه لا يؤيد فرض عقوبات عليها، وان الأسرة الدولية تطالبها بتعاون أكبر مع لجنة التحقيق الدولية. وأضاف: «نحن أصدقاء الشعب السوري، ولبنان وسورية تربطهما علاقة صداقة طويلة ونرجو أن تبقى كذلك». وتابع أن «الأسرة الدولية قررت اجراء تحقيق دولي حول اغتيال رفيق الحريري، وأنشأت لجنة لهذا الغرض، والآن فإن المجرمين الذين ارتكبوا هذه الجريمة يواجهون مشكلة مع الأسرة الدولية وليس مع سعد الحريري، ولذا عليهم التعاون مع الأسرة الدولية». وعما إذا كان تم ما يكفي من الجهود للحصول على العدالة بعد الجريمة، أجاب الحريري: «نعتقد بأننا نسير بالاتجاه الصحيح، خصوصاً بالنظر الى ما كنا فيه في 14 و15 و16 شباط (فبراير) عندما كان نصف التحقيق يتم على ايدي المجرمين المعتقلين الآن». وأضاف: «لذا أقول اننا قطعنا شوطاً طويلاً، وتوصلنا الى نتائج كبرى، إذ أن ما من أحد كان يتصور أن يزج الجنرالات الأربعة في السجن»، و «لقد نجحنا وينبغي أن نستمر للوصول الى الذين مولوا وقرروا هذه الجريمة».

اتهام الأخوين عبد العال

في هذا الوقت، أعلنت مصادر قضائية لبنانية ان المدعي عام التمييز سعيد ميرزا ادعى على الشقيقين الموقوفين محمود وأحمد عبد العال من «جمعية المشاريع الخيرية الاسلامية» (الأحباش) في جريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري، واحالهما الى قاضي التحقيق العدلي الياس عيد.

على صعيد آخر، أدت تفاعلات مقتل المسّاح الطوبوغرافي الذي يعمل لمصلحة الجيش اللبناني اثناء قيامه بمسح للحدود مع سورية في منطقة البقاع الغربي الى تعزيز الجيش اللبناني وحداته في المنطقة، خصوصاً ان اسماعيل توفي بعد اطلاق النار عليه من موقع فلسطيني.

وإذ نفت كل من حركة «فتح - الانتفاضة» و «الجبهة الشعبية - القيادة العامة» مسؤوليتهما عن اطلاق النار على المسّاح اسماعيل، نفى الجيش اللبناني من جهته انباء عن انه وجه انذاراً الى مواقع لمسلحين فلسطينيين في البقاع، لكنه أكد تعزيزاته. وأجرى رئيس الحكومة فؤاد السنيورة أمس سلسلة اتصالات لمعالجة الموقف، مؤكداً ان اجراءات الجيش اللبناني والقوى الأمنية هدفها ضبط الأمن.

وعلمت «الحياة» ان الأمين العام لـ «الجبهة الشعبية - القيادة العامة» احمد جبريل اجرى اتصالاً مطولاً بالسنيورة، الذي كرر موقف الحكومة الداعي الى الحوار لإيجاد حل عاجل للانتشار العسكري الفلسطيني خارج المخيمات، مشدداً على أهمية ضبط النفس والسعي من اجل تهدئة الوضع على الأرض. وعلمت «الحياة» ان جبريل بادر السنيورة بالقول: «لقد تأكد انني لست متهماً في جريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري»، في اشارة الى ما ورد اول من امس في المؤتمر الصحافي الذي عقده رئيس لجنة التحقيق الدولية ديتليف ميليس في نيويورك، عن ان جبريل غير مشتبه به.

ورد السنيورة مؤكداً انه لم يتهمه بشيء، كما انه لم يتهم سواه، وأنه لم يسبق له ان تدخل في التحقيق الذي يجريه ميليس. وشكا جبريل من التصعيد الإعلامي على خلفية حادث قتل المساح اسماعيل، داعياً الى التدخل لضبط وسائل الإعلام، وطلب من الرئيس السنيورة في المقابل التدخل لوقف دوريات الجيش في البقاعين الأوسط والغربي بذريعة انه حاضر للحوار وأن «الاتصالات جارية بين الفصائل الفلسطينية، بغية الوصول الى حل».

لكن السنيورة جدد تأكيده أن الجيش يقوم بدوريات روتينية «وأن لا نية لدى قيادته بالتصعيد او بفرض حصار على أي منطقة في البقاع او غيرها. وإنما لا يستطيع الوقوف مكتف اليدين ازاء اي محاولة لإرباك الوضع الأمني». ولفت ايضاً الى ان الحكومة كانت اول من اطلق الدعوة الى الحوار حول الوجود العسكري الفلسطيني.

كما علمت «الحياة» ان قيادة «حزب الله» تولت الاتصالات مع بعض الفصائل الفلسطينية والسلطة اللبنانية ضمن مساعي الحفاظ على الاستقرار افساحاً في المجال امام الجهود التي تقوم بها لإنهاء الانتشار العسكري الفلسطيني خارج المخيمات وضبط السلاح داخلها.

مصادر
الحياة (المملكة المتحدة)