الدستور / راكان المجالي

شهد الوطن العربي منذ مطلع العشرينات في القرن الماضي نشوء الكيانات الوطنية التي تكرست كحالة ثابتة بالرغم من أشواق الجماهير لذوبان كل هذه الكيانات في الكيان القومي الواحد والحلم الذي لا يخبو رغم ما حدث وهو حلم قيام الدولة التي يتوحد فيها كل العرب..!!

وقد ولدت الدولة العراقية المدنية من رحم الاحتلال والاستعمار البريطاني استجابة للارادة الشعبية المتمثلة في ثورة العشرين.
وقد تعثرت هذه التجربة لنشوء وتطوير الدولة العراقية في بداياتها وحتى العام ،1924 وكانت الركيزة الاولى للنجاح في بلورة مؤسسات الدولة العراقية وجود شخصية قومية تاريخية هي فوق كل التناقضات الداخلية، فقد كان المرحوم الملك فيصل الاول زعيماً مقنعاً وصاحب تجربة ولذلك أمكن المضي في تطوير الدولة العراقية حتى اصبح العراق يسمى »بروسيا العرب« كرمز للقوة والدعم والمساندة للعرب جميعاً..

وعندما ندقق في كتاب »مذكرات دولة« لبروفسور العلوم السياسية في جامعة روتجرز الدكتور اريك دايفيس والذي زار العراق كثيراً فاننا نجده يؤكد على ان التحدي الذي واجهه ويواجهه العراقيون هو القدرة على وضع نموذج مجتمع سياسي قابل للحياة وان هذا متصل مباشرة بالقدرة على انشاء هوية جماعية تستند الى مجموعة مشتركة لما يصفه البروفسور دايفيس »الخرافات التأسيسية« التي ترتكز حسب رأيه الى تخطي الانقسامات بين النسختين الرئيستين للهوية الوطنية العراقية، اي بين الهوية العربية الخالصة وبين نظيرتها التعددية الجمعية عبر تطوير نسخة خاصة من التراث الثقافي للبلاد تشدد في آن معاً على اصولها العربية وعلى انتمائها الى حضارة ما بين النهرين.
ويمكن القول ان انظمة الحكم المتوالية في العراق منذ تأسيسه قد حرصت على الثوابت التي تؤمن وحدة العراق التي باتت مهددة اليوم ومن وجهة نظره كمفكر غربي يرى ان النظام السابق استطاع عبر القبضة الحديدية ان يحافظ على وحدة العراق، وهذه النتيجة في رأينا هي الأهم بالرغم من كل الوسائل!! لكن الدكتور دايفيس لا يوافق على اعتبارها وسائل فقط فهو يؤكد ان القسوة وارتباك النظام السياسي ومحاصرته بعد حرب الخليج الثانية قد أدت الى الاضرار بالنسيج الوطني العراقي، ويركز بشكل خاص على تناقض النظام الى حد الحرب والترحيل الجماعي للأكراد، كما يركز على المواجهة الواسعة مع الشيعة في احداث 1991 في الجنوب والتي تمخضت عن ضحايا وآلام، واكثر من ذلك يورد دايفيس روايات يقول انها موثقة تشير الى ان بعض رموز النظام السابق استخدموا علناً كلمة »شيعي« كتعميم غير مقبول.

وبالتأكيد فان كتاب »مذكرات دولة« يقدم معلومات هامة وتحليلاً سياسياً مميزاً لكنه يظل وجهة نظر غربية لرصد تاريخ طويل مليء بالاحداث الدراماتيكية، الا ان خلاصة واحدة هامة جدا والى ابعد حد هو انه رغم التآمر الخارجي والضغوط والتحديات فان كل الانظمة في العراق حافظت على وحدة العراق وهويته ودوره ومكانته وهي ما يتحسر عليها العراقيون اليوم بعد ان ضرب الاحتلال الامريكي وحدتهم ومزقهم شرق ممزق وبعد ان نزع هويتهم الوطنية فأصبحت الانتماءات للطائفة والعرق والقبيلة والمحلة والحارة..!! وازال استقلالهم وامتهن كرامة وحرية وطنهم.. الخ بحيث بات العراقيون يتطلعون اليوم الى العودة 85 عاماً للوراء لاعادة بناء دولة الغيت كل مقوماتها الا ما بقي منها هو كلام في ذاكرة التاريخ عبر »مذكرات دولة« او غيره من الكتب والمراجع!!