أتمنى، بصفتي مواطنا من مواطني هذه الامة، الذي يتعاطى الشأن السياسي اكثر قليلا من سواه بحكم مهنته وحرفته، أتمنى على الولايات المتحدة، المعروفة بأميركا، ألا ترتكب حماقة اخرى في حق نفسها. اتمنى ان تتذكر انها زحفت بجيوشها وحلقت بطائراتها من اجل نشر «الديموقراطية» في العراق. ولكن الديموقراطية مارسها في فلسطين فريقان: فتح الحاكمة المهزومة، وحماس المنتصرة. من خلال صناديق الاقتراع.

تحية لفتح، لأنها، بعكس جميع الانظمة العربية، لم تنتصر بـ 99 ولا بمئة ولا بـ 90 في المئة. دعت الى الانتخابات وقبلت نتائجها. وتحية لحماس لأنها تقول انها تريد المشاركة في الحكم، ولا ترضى ان تمارس سلطة الحزب الواحد. وأتمنى ان يطول هذا الوعد، وان يحيا لأكثر من مدة اطلاقه. اذن، نحن امام واقع ديموقراطي مثير. ولا يحق لأميركا القول انها لا تقبل نتائج الانتخابات ولا انها ترفض التعاون مع سلطة منتخبة.

لا نستطيع ان نقدم لأميركا رجالها فقط. bولا نستطيع ان نقبل الخيار الديمقراطي ثم نرفض نتائجه. وفي اي حال، فان كل ما نراه هو نتيجة السياسات الاميركية في المنطقة منذ نهاية حكم ايزنهاور. وقد فازت حماس لان الاسرائيليين انتخبوا ارييل شارون ويستعدون لانتخاب بنيامين نتانياهو، هذا الجدار المتجلد من الحقد والرفض. ولا يجوز ان تطلب اميركا من الفلسطينيين، ما لا تجرؤ على طلبه من الاسرائيليين. اي الاقتراع لرجال معتدلين ويقبلون بالتسوية. فالرفض الذي تمثله حماس، هو في نهاية الامر، نتاج الرفض الاسرائيلي، ونتاج الاستعلاء التافه الذي مارسه نتانياهو ثم شارون على تلفزيونات العالم. الاول يطلب منه بيل كلنتون الاجتماع الى ياسر عرفات فيقدم له فضيحة المتدربة مونيكا لوينسكي. والثاني يحمل مسطرة طولها نصف متر ويقيس بها ما يريد ان يتخلى عن الضفة الغربية.

لا نريد حماقة اخرى في السياسة الاميركية. لا تستطيع اميركا ان تطلب الديموقراطية بالأساطيل ثم ترفضها بصناديق الاقتراع، لا تستطيع اوروبا ان تنادي بالدولة الفلسطينية ثم ترفض الهزيمة التي قبلتها السلطة. ليس لاميركا ان تمتحن حماس في الحكم. بل للفلسطينيين وللعرب.

عندما حرر «جيش التحرير» الجزائر، منع كل وظيفة او عمل، على ابناء الأسر التي لم تكن في «الجيش». وهكذا فعلت الاحزاب الحاكمة في العالم العربي. وحولت المعارضين الى خونة و«كلاب شاردة» او «ضالة»، حسب الطقس ومناخ المدينة. وحماس امام تحد عالمي، بل كوني، انها تفوز في فلسطين، قضية القضايا. او بالاحرى قضية القضية. ولها وحدها ان تثبت انها ليست فريقا بل قيادة للجميع. وليست مشروع سلطة بل مشروع انقاذ. وليست مشروع تسلط، بل هي اهل للحكم المدني الذي من خلاله وحده وصلت الى الحكم.