كتب مستشار الأمن القومي الأميركي السابق زبيغنيو بريجنسكي (واشنطن بوست) ان «عبارة الحرب على الإرهاب نشرت ثقافة الخوف في الولايات المتحدة. وكان لها تأثيرها السلبي في الديموقراطية الأميركية، وفي الروح الأميركية، وفي مكانتنا في العالم (...) ان الضرر الحقيقي الذي ألحقته هذه العبارة بنا يفوق أكثر الأحلام وحشية، مثل تلك التي راودت منفذي هجمات 11 أيلول، خلال تآمرهم علينا. انها لا تحدد اطاراً جغرافياً للحرب ولا تحدد أعداءنا المفترضين. الإرهاب ليس عدواً، بل تقنية من تقنيات الحرب تستخدم للترهيب السياسي، عبر قتل المدنيين. لكن السر فيها أنها مقصودة بحد ذاتها لنشر ثقافة الخوف».

الواقع ان العبارة فعلت فعلها في الولايات المتحدة. جعلت الشعب الأميركي قابلاً للانخداع فالتف حول إدارة بوش ومنحها ثقته الكاملة فاستغلتها في شن الحرب على أفغانستان ثم العراق. صدق الأميركيون ان صدام حسين كان يرعى «القاعدة» وأسامة بن لادن، على رغم اعتراف مقترفي هذه الكذبة الكبيرة بأنهم اختلقوها. والآن فقدت الإدارة هذه الثقة لكنها تستعد لشن حرب أخرى على ايران، لا يعرف أحد متى وكيف ستنتهي، ولا الدول التي ستطالها، خصوصاً بعد تقسيم هذه الدول الى معتدلة ومتطرفة، وللجانبين دور في هذه الحرب: على المعتدل تقديم المساعدة للجيوش الأميركية وتسهيل انتقالها عبر أراضيه ومياهه، وعلى المتطرف أن يدفع ثمن مواقفه بنقل الحرب الى أرضه وزعزعة الاستقرار من الداخل، أو عبر الدول المجاورة.

ثقافة الخوف التي يتحدث عنها بريجنسكي انتقلت من الولايات المتحدة الى باقي العالم، خصوصاً أنها رافقت الآلة الحربية المدمرة التي أعادت العراق الى ما قبل القرون الوسطى، بعد القضاء على بنيته التحتية ومؤسساته المدنية والعسكرية، كما انتقلت من خلال وسائل الإعلام التي روجتها على مختلف المستويات، عبر مراكز أبحاث ذات سمعة دولية، وكتابات أكاديميين ومحللين نبذوا أي فكرة معارضة، واعتبروها دعماً للإرهاب وترويجاً للتخلف الفكري الذي يطبع «الإرهابيين».

والطريف أنه، على رغم كل ما حصل ويحصل في العراق وعلى رغم اعتراف مزوري الحقائق والوثائق بفعلتهم، وانسحابهم أو إقالتهم واحداً بعد الآخر، فإن هذه الأداة ما زالت فعالة تروج لتوجهات بوش وحربه «الايديولوجية الطويلة»، فإيران الساعية الى تطوير برنامجها النووي أصبحت، بفضل هذه الثقافة، تملك السلاح النووي، وتشكل خطراً على العالم كله. وساعد بعض الزعماء الايرانيين وفي مقدمهم الرئيس أحمدي نجاد في تكريس هذه الصورة، عبر تهديداته المتكررة التي يُستدرج اليها أحياناً كثيرة.

لثقافة الخوف، قبل أن تنشرها إدارة بوش في الولايات المتحدة وخارجها، جذور عميقة في العالم العربي، جزء منها أفرزته نظم الاستبداد الاجتماعية والسياسية، وجزء آخر أفرزه التاريخ الاستعماري، خصوصاً بعد الهزائم المتكررة في مواجهة اسرائيل، ما خلق قناعة لدى غالبية الطبقات الحاكمة، باستحالة الصمود في مواجهة هذا العدو، فعمد بعضها الى عقد «سلام الشجعان»، وراح آخر يتحدث عن نزاع فلسطيني - اسرائيلي، ويدعو الى تسويته «للمحافظة على مصالح كل الشعوب».

في اطار التوق الى الخروج من هذه الثقافة السائدة يمكن أن نفهم التأييد الكبير للمقاومة اللبنانية التي استطاعت تحرير أرضها عام 2000 من دون تقديم أي تنازل أو عقد أي اتفاق. وصمدت طويلاً في مواجهة العدوان الاسرائيلي وألحقت هزيمة بـ «الجيش الذي لا يقهر»، في تموز (يوليو) الماضي.

وفي هذا الاطار ايضاً يمكن أن نفهم التأييد العربي للمقاومة العراقية، على رغم كل الإرهاب المرافق لمسيرتها، خصوصاً أنها استطاعت إكراه الأميركيين على الاعتراف بها واللجوء الى التفاوض معها.

تستطيع المؤسسات الديموقراطية إخراج الأميركيين من ثقافة الخوف، خصوصاً بعدما اتخذت مسافة من إدارة بوش وبدأت محاسبتها، ويساهم الإعلام في تغيير الرأي العام ومراقبة البيت الأبيض. لكن خروجنا نحن من هذه الثقافة، وعليها، يحتاج الى وقت طويل فقد تحولت الى أيديولوجيا متجذرة تنشر عدم الثقة بالنفس. بعضنا لا يصدق اولمرت وحالوتس وقادة الموساد عندما يعترفون بالتقصير في الحرب على لبنان ويؤكد لهم أنهم ما زالوا «عند حسن الظن» وفي قوتهم، ويعتبر ما أنجز في هذه الحرب ملكاً لطائفة.

مصادر
الحياة (المملكة المتحدة)