كما في حالة الانتظار والترقب نتيجة الضغط السياسي على المنطقة قبل عام، فإن الانفراج اليوم يشهد نفس "الانتظار"، فما يجمع المسألتين هو طبيعة "الفراغ" الذي خلفته مرحلة ما بعد احتلال العراق، حيث ظهر وكان المنطقة تتكسر بشكل تدريجي دون أفق واضح أو رغبة في رسم نقطة نهاية أو بداية لزمن جديد. فما حدث عمليا كان "انتهاء" مرحلة داخل الشرق الأوسط عموما، لكن دون أن يعني هذا الأمر أي بداية جديدة.

عمليا فإن المشهد السياسي لا يدعو للقلق من تدخل خارجي .. والمنطقة في دائرة الخطر ليس بسبب الضغوط الخارجية أو "الانفراج"، بل لأن عدم حسم ما نريده من الزمن الجديد تدفع إلى الفوضى حتى ولو لم تنجح "الفوضى البناءة" للإدارة الأمريكية. فما حدث في الجزائر أو المغرب هو صورة فقط او انعكاس لعدم القدرة على الدخول في مرحلة ثقافية أو سياسية جديدة. وهو جانب أيضا مما حدث في العراق بعد الاحتلال، عندما "تشكل" العنف على مساحة من عدم القدرة على رسم بداية جديدة

المنطقة في خطر لأن ما كان يُدعى نخبا ثقافية عاجزة عن الإبداع .. ومتمردة ضد الاعتراف بأنها تملك أزمتها .. ورافضة بالاعتراف بأن فكرها حقق أكبر هزيمة في تاريخنا الحديث .. والخطر يكمن في أن كل مجموعة ربما لا تتجاوز أصابع اليد تعتقد بأنها قادرة على تأسيس فكر جديد .. ثم تجد نفسها أمام خيارات الماضي مع تبديل الأسماء، مما يتيح لمراحل الماضي ... وحتى لما قبل زيارة رفاعة الطهطاوي إلى باريس، كي تظهر وتدعي أن أكثر ملائمة لمجتمع لن "يصلح آخره إلا ما أصلح أوله"...

ما نحتاجه اليوم وسط تفجر العنف بشكل مفاجئ في جغرافيتنا هو إبداع من المثقفين ... والدفاع عن قيم النهضة التي تبلورت منذ القرن التاسع عشر ... وإلى مفهوم المجتمع الذي يريد الحياة وليس اثبات الذات عبر "الجهاد" .. والمثقفون ليسوا بحاجة لاستئثار عمليات الاستنساخ السياسي والفكري القائمة .. هم بحاجة للاعتراف بالأزمة، وبأنهم مدعوون لدخول القرن الواحد والعشرين بمعرفة جديدة.

ما نحتاجه اليوم لن يكون "ظلالا" لأفكار جديدة .. بل لقوى اجتماعية تدفع ثقافتها نحو المستقبل ... فهل هذا المستقبل يحمل "حاكمية" لغير المجتمع!!! وهل هذا المستقبل يحتمل ثقافة ما "قبل التاريخ"!!!!

مصادر
سورية الغد (دمشق)