اتفق الموفدان الروسي نائب وزير الخارجية ألكسندر سلطانوف والدولي نيكولا ميشال على تأكيد تفضيلهما إقرار المحكمة ذات الطابع الدولي لمقاضاة المتهمين باغتيال رئيس الحكومة اللبناني السابق رفيق الحريري ورفاقه وسائر الجرائم المرتبطة بها بحسب الأطر الدستورية اللبنانية، لكن سلطانوف أعلن بعد محادثاته مع رؤساء الجمهورية اميل لحود والمجلس النيابي نبيه بري والحكومة فؤاد السنيورة، ان موسكو متحفظة جداً عن تحويل المحكمة إلى مجلس الأمن في إطار الفصل السابع في غياب التوافق اللبناني. إلا ان مصدراً وزارياً لبنانياً جزم بأن لن يكون هناك فيتو روسي في مجلس الأمن. وأكدت مصادر مطلعة، في نيويورك، ان مجلس الأمن يتجه نحو الموافقة على البيان الرئاسي الذي يوافق الاعضاء بموجبه على ايفاد الأمين العام للأمم المتحدة بعثة لتقويم آليات المراقبة على طول الحدود اللبنانية بما يشمل الحدود اللبنانية - السورية لمنع تهريب الاسلحة عبرها.

وفيما تزامنت زيارتا سلطانوف وميشال مع تصاعد السجال بين الأكثرية والمعارضة حول موضوع المحكمة وعناوين أخرى تداخلت معها، شهد اليوم الخامس لنزول نواب قوى 14 آذار الى المجلس النيابي لمطالبة رئيسه بالدعوة الى اجتماعه خلال العقد العادي، اتهامات متبادلة بين الجانبين. إذ اعتبر النائب وليد عيدو في بيان باسم الأكثرية ان اعتصام المعارضة «اصبح تعطيلاً فاضحاً واحتلالاً موصوفاً (لوسط بيروت) ومظهراً أمنياً مكشوفاً»، فيما هاجم رئيس كتلة نواب «حزب الله» محمد رعد الأكثرية وبيان كتلة «المستقبل» النيابية برئاسة النائب سعد الحريري ووصفه بأنه موقف يتماهى مع الموقف الإسرائيلي مطالباً «مرجعيات» هذه الكتلة «وأسيادها» بتوضيح لأنه «موقف خطر على إمكان ان تكون جدوى من أي حوار».

وقال السفير السعودي لدى لبنان الدكتور عبدالعزيز خوجة لـ «الحياة» إن لقاءه أول من أمس رئيس المجلس النيابي نبيه برّي ثم اجتماعه مع زعيم تيار «المستقبل» النائب الحريري كان الهدف منهما تشجيعهما على اللقاء واستكمال الحوار من أجل التوصل إلى توافق على حل للأزمة السياسية. وأشار إلى ان الرئيس برّي أبدى استعداداً لذلك حالما تنضج الظروف، وإذا وجد أن هناك جدية في التوجهات نحو الحلول.

وتعليقاً على أنباء نُسبت إلى أوساط المعارضة عن تعويله على لقاء بين برّي والحريري للصورة فقط قال خوجة: «أبداً ليس للصورة فقط بل كي يستأنفا الحوار من أجل حسم كل الأمور المعلقة». وبعدما نفى علمه بصدور بيان كتلة «المستقبل» النيابية، قال: «ساعد الله بلدكم. فنحن لا نتمنى له إلا كل الخير. وما يهمنا حل الخلافات بالحوار».

وفي سياق حملة الأكثرية من اجل عقد جلسة للبرلمان بعث نائب رئيسه فريد مكاري الذي ينتمي الى قوى 14 آذار، برسالة الى رئيس الجمعية البرلمانية لدول المجلس الأوروبي رينيه فان ديرليندن امس، باسم الأكثرية التي تضم 70 نائباً، تعرض لعملية تعطيل الحياة الدستورية والديموقراطية في المجلس النيابي اللبناني ووضع العراقيل امامها.

وعلى صعيد لقاءات سلطانوف قالت مصادر مطلعة ان المسؤول الروسي كرر أكثر من مرة تحفظه عن إقرار المحكمة تحت الفصل السابع، لكن بري لم يسأله عن رد الفعل الروسي في حال أقرها مجلس الأمن، ولم يفصح عما اذا كان موقف موسكو سيكون بالامتناع عن التصويت او باستخدام الفيتو. وردد بري امام سلطانوف ما قاله في السابق من ان المشكلة في الحكومة وليست في المحكمة، مؤكداً أنه كان توصل الى تفاهم مع النائب الحريري على المحكمة شمل الضمانات والآلية الدستورية لإقرارها لكن تأخيره يعود الى ضرورة إنهاء الأزمة السياسية من خلال التوافق على تشكيل حكومة وحدة وطنية باعتبارها المعبر الدستوري لقيام المحكمة.

وبالنسبة الى ملاحظات بري على مشروع المحكمة قالت المصادر إن سلطانوف لم يسأل عنها وبري لم يطرحها وإن النقاش دار على وجهة نظر رئيس المجلس حول إنهاء الأزمة السياسية كإطار لإقرار المحكمة واقتراحه تشكيل لجنة من ميشال ووزير العدل شارل رزق واثنين عن الموالاة وآخرين عن المعارضة للنظر في الملاحظات.

ونقلت المصادر نفسها عن سلطانوف تخوفه من الانعكاسات السلبية والخطيرة والمجهولة النتائج لإقرار المحكمة تحت الفصل السابع على مجمل الوضع في لبنان بدلاً من ان تكون المحكمة نقطة جامعة بين اللبنانيين.

اما مصادر السنيورة فأكدت ان اجتماعه مع الموفد الروسي كان ممتازاً جداً، حيث قدم له شرحاً وافياً عما فعلته الحكومة من اجل إنهاء الأزمة السياسية لإقرار المحكمة. وقالت مصادر وزارية لـ «الحياة» انه يمكن الجزم بأن روسيا لن تستخدم «الفيتو» في مجلس الأمن، إذا عُرضت عليه المحكمة لإقرارها نتيجة تعذر التوافق على إقرارها في البرلمان.

أما ميشال، موفد الأمين العام للأمم المتحدة فأكد عند وصوله إلى بيروت ان المنظمة الدولية تريد المحكمة سلطة قانونية بامتياز. وهو شرح موقفه إلى بري الذي كان أول من التقاهم الموفد الدولي الذي أكد بحسب مصادر مطلعة أهمية فصل المحكمة عن الأزمة السياسية في البلاد. وأشار إلى انه جاهز لحوار مثمر وإلى الحاجة الماسة إلى تحقيق العدالة وإلى اتفاق الجميع في لبنان في المبدأ على قيام المحكمة، وأنه لا يجوز ان تكون هناك شكوك لأن المحكمة ستشكل. وزاد: «إننا نحتاج إلى سنة على الأقل بعد المصادقة على الأسس القانونية للمحكمة حتى تباشر أعمالها». وأمل بأن يتم ذلك وفق الأسس الدستورية. واتفق ميشال مع بري على لقائه ثانية.

والتقى ميشال مساء الرئيس السنيورة الذي شرح له المحاولات التي بذلتها الحكومة لإقرار المحكمة في البرلمان. وقالت مصادر الأكثرية إنها ستؤكد لميشال مخاطر تأجيل مصادقة البرلمان على المحكمة، خصوصاً ان الرئيس بري أعلن انه سيدعو إلى جلسة لانتخاب رئيس الجمهورية الجديد في 25 أيلول (سبتمبر) المقبل ما يحول الدورة العادية إلى دورة انتخابية يحول الدستور دون التشريع فيها وهذا يؤجل إقرار المحكمة الى العهد الرئاسي المقبل، في ظل امتناع رئيس البرلمان عن الدعوة إلى جلسة في الدورة العادية الحالية.

بان والقرار الـ1701

وفي نيويورك، أكد الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون، رداً على «الحياة» أمس، انه «سيبحث مع القيادة السورية جميع المسائل التي تتعلق بتنفيذ قرارات مجلس الأمن ذات الصلة بلبنان لضمان تنفيذ القرار 1701، بما في ذلك وسائل الرقابة والأوضاع الأخرى ذات الصلة في المنطقة... وجميع المسائل التي يمكن لسورية ان تلعب دوراً بناء فيها».

ووزعت أمس الرسالة التي بعثها بان الى رئيس مجلس الأمن لهذا الشهر السفير البريطاني أمير جونز بيري الجمعة الماضي في شأن الرقابة على الحدود اللبنانية - السورية وتنفيذ اقتراحه ان ينظر مجلس الأمن «في دعم بعثة تقويم مستقلة لمراقبة الحدود» ضماناً «للتنفيذ الكامل للفقرة 15 من القرار 1701 بما في ذلك حظر الاسلحة».

وجاء في الرسالة ان أحد الأسئلة التي أثارها بعض أعضاء مجلس الأمن أثناء جلسة المشاورات مع الأمين العام في اعقاب رحلته الاخيرة الى المنطقة «تناول موقف حكومة لبنان من الاقتراح». وقال بان في رسالته: «يسرني أن ابلغكم انه خلال مكالمة هاتفية اجريتها مع رئيس الحكومة فؤاد السنيورة (الخميس) رحب بالفكرة ووافق على مبدأ البعثة. كما اننا اتفقنا على انه، في حال تأييد المجلس للاقتراح، ستتعاون الأمم المتحدة تعاوناً وثيقاً مع حكومة لبنان في ما يتعلق باختصاصات هذه البعثة».

وأشار بان كي مون الى الفقرة 64 من تقريره الى مجلس الأمن في شأن تنفيذ القرار 1701 والتي تضمنت اقتراحه ايفاد «بعثة تقويم مستقلة لمراقبة الحدود» وقال: «أود للبعثة التي ارتأيتها في الفقرة 64 من تقريري ان تقدم توصيات بشأن تدابير واستراتيجيات تقضي الى تحسين مستوى الأمن على طول الحدود اللبنانية مع الجمهورية السورية. وستستند هذه البعثة إلى العمل الذي اضطلعت به البعثات السابقة، سواء التابعة للأمم المتحدة أو البعثات الثنائية... ان هذا الاقتراح يقتضي ارسال فريق صغير باختصاص محدد ولفترة محدودة، لتقويم مراقبة الحدود بكاملها تقويماً كاملاً».

وطلب الأمين العام من رئيس مجلس الأمن «عرض هذه المسألة» على الأعضاء، علماً أن اعضاء المجلس يتناقشون في نص مشروع بيان رئاسي حول تنفيذ 1701 يتناول آلية المراقبة وبعثة التقويم.

وأكد مسؤول أميركي اشترط عدم ذكر اسمه، اصرار عدد من أعضاء المجلس، سوية مع الولايات المتحدة وفرنسا على عدم تأجيل اصدار البيان الى ما بعد عودة بان من زيارة دمشق، كما سعت سورية والدول التي تدعم مواقفها داخل مجلس الأمن. وقال: «لن ننتظر».

وعلمت «الحياة» ان التعديلات الروسية على مشروع البيان الرئاسي تناولت الفقرتين 9 و10 اللتين تتطرقتا الى بعثة تقويم آليات الرقابة على الحدود، وتنص الفقرة 9 حسب التعديل الروسي على «ترحيب مجلس الأمن باعتزام الأمين العام تقويم الوضع على طول الحدود ويدعوه الى ايفاد بعثة مستقلة لتقويم المراقبة على الحدود بأسرع ما يمكن، بالتشاور الوثيق مع الحكومة اللبنانية، وان يقدم تقريراً الى المجلس قبل تقريره المقبل حول استنتاجاته وتوصياته في هذا الصدد». وتتابع الفقرة ذاتها، حسب التعديل الروسي «ان مجلس الأمن يحض جميع الأطراف على التعاون الكامل مع هذه البعثة».

وتحذف الفقرة العاشرة بحسب التعديلات الروسية الإشارة بالاسم الى سورية وايران، وتنص بدلاً على حض مجلس الأمن «جميع الدول الاعضاء، وبالخصوص في المنطقة، على اتخاذ الاجراءات الضرورية للتنفيذ الكامل للفقرة 15 من القرار 1701 لتنفيذ الحظر العسكري الزاماً، والتعبير عن اعتزامه، فور تلقيه توصيات الأمين العام، اتخاذ خطوات ملموسة لتحقيق هدف هذه الفقرة».

مصادر
الحياة (المملكة المتحدة)