في 12 نيسان (أبريل) نجح أحد الانتحاريين بطريقة ما في التسلل الى داخل مبنى البرلمان العراقي قبل أن يفجّر نفسه ويقتل نائبين ويجرح عدداً من الموظفين. في اليوم ذاته، دمّرت شاحنة محمّلة بالمتفجرات جسر «الصرافية» الذي بناه البريطانيون في ثلاثينات القرن الماضي فوق نهر دجلة، فتطايرت السيارات وغرقت في النهر. لقد اختار مخططو هاتين العمليتين الناجحتين جداً الهدف القديم المعتاد في العاصمة بدل الجديد وغير الأكيد، وربما أرادوا أن يؤكدوا أنّ «الطفرة» الأميركية في بغداد لن تضمن الأمن على المدى الطويل ولن تحول دون تعميق الحرب الأهلية التي اجتاحت العراق منذ أشهر عدة.

أقبل بمقولة أنّه من المبكر التأكد من فشل «الطفرة» أو نجاحها. فخطة الرئيس بوش تقضي بإرسال «أكثر من 20 ألف» جندي إضافي إلى العراق لكي يدعموا 140 ألف جندي موجود في البلد إلى الآن. ولن يصل هذا العديد قبل انقضاء شهرين لذا تنتمي معظم القوات الجديدة الموجودة على طرقات بغداد التي خطّتها المعارك إلى الجيش العراقي.

لقد كان رأيي في كانون الثاني (يناير) الماضي أنّ استراتيجية الرئيس بوش الجديدة التي طال انتظارها كانت متهورة الى حد بعيد ومن خلالها فهو يزيد الفشل فشلا. بالإضافة الى ذلك، لم يقتنع الجيش الأميركي بأي شكل من الأشكال أن حل المشكلة يكمن في استقدام المزيد من القوات. حتّى أنّ الجنرال جون أبي زيد، كان على قاب قوسين من رفض الفكرة أمام لجنة من مجلس النواب. ورأى الجنرال أنّ زيادة العديد سيكون له «أثر مؤقت» فقط، وكان قلقاً حيال المبالغة في انتشار القوات البرية في الجيش الأميركي. ووفقاً لكتيّب التعليمات حول مكافحة حركات التمرد الذي يتّبعه الجيش، لا يزال عدد الجنود الأميركيين قليلاً جداً ما يمنعهم من إحلال الأمن والسلام.

في صيف 2006، شهدت بغداد التي يصل عدد سكانها إلى 6 ملايين نسمة، عملية ضخمة شارك فيها أكثر من 12 ألف جندي أميركي. ومن غير المستغرب أنها بشّرت بالنجاح في أول الأمر. ولكن بعد انقضاء أسابيع عدة، أصبح جليّاً أنّ بعض المسلحين أخفوا أسلحتهم وكانوا «يأخذون قسطاً من الراحة» فيما خرج البعض الآخر من بغداد، ربما لفترة مؤقتة، في الوقت الذي ازداد فيه العنف في مناطق عراقية أخرى.

أعتقد بأنّ الأمر يتكرر اليوم. فقد ازدادت عمليات السيارات المفخخة، في حين تضاءل، بشكل عام ولحسن الحظ، عدد الهجمات في بغداد.

وفي المقابل، لم يتم القضاء على الميليشيا القوية أو الجيش الخاص، «جيش المهدي»، التابع لرجل الدين الشيعي المعادي للأميركيين، مقتدى الصدر، ولكني أعتقد أنّ المقاتلين في هذا الجيش تسللوا إلى إيران كي يرتاحوا قليلاً. سوف يروقهم أن يكون هذا العرض هو عرض الختام الأميركي في العراق قبل أن تقفل القوات الأميركية عائدة إلى بلادها.

منذ شهر واحد، قال الكولونيل دوغ هيكمان، كبير المستشارين الأميركيين في الفيلق التاسع للجيش العراقي في بغداد:» يكذب الكثير من الأشرار بشكل سافر، ولكن الفرق بين المرة السابقة وهذه المرة هو الاستقرار. سوف تشهد الأرض مرور المزيد من جزم العسكر ولن نبارح مكاننا. نعلم أننا انسحبنا في المرة الفائتة ولكن لن يتكرر هذا الخطأ مجدداً».

ولكن الكولونيل مخطئ من زاوية واضحة. سوف يضطر الجيش الأميركي في وقت من الأوقات أن يقلل من عدد «جزم العسكر على الأرض». في الثاني عشر من نيسان (أبريل)، أعلن وزير الدفاع الأميركي الجديد، روبرت غيتس، عن إجراء أطول الجولات الحربية للجيش الأميركي منذ الحرب العالمية الثانية. وسوف تمددّ الجولات الحربية في العراق وأفغانستان من 12 إلى 15 شهراً. وقال الوزير أمام الصحافة: «بهذه الطريقة نقر بأن جنودنا منهكون، لا شك في هذا.» واعتبر ان قراره كان خطوة «صعبة»، فنسبة 60 بالمئة من الشعب الأميركي تعتقد هذه الحرب خطأ، والوقت ينفد في واشنطن حول مسألة العراق.

وما من شك بأنّ البيت الأبيض لن يعترف أبداً بأن القوات البريطانية والأميركية في العراق تشكل جزءاً من المشكلة الى حد ما. في الثالث عشر من تشرين الأول (أكتوبر) الماضي، صرّح الجنرال السير ريتشارد دانات، قائد الجيش البريطاني لصحيفة «الدايلي ميل» قائلاً: علينا «أن نخرج من هناك قريباً لأنّ وجودنا يفاقم المشاكل الأمنية».

إنني متأكد أن الجنرال على صواب. ففي استطلاع للرأي شمل المحافظات الثماني عشرة منذ أسابيع قليلة، اعتبر 51% من العراقيين الهجمات على قوات التحالف مبرّرة فيما رأى 35% أنّه يتوجب على هذه القوات الرحيل الآن.

في الخريف الماضي، كتب سفير المملكة المتحدة السابق في العراق ويليام باتي التالي: «أنّ احتمال حدوث حرب أهلية على مستوى خفيف إلى جانب تقسيم العراق وفقاً للأمر الواقع في هذه المرحلة أكبر بكثير من احتمال إتمام انتقال ناجح ومستدام نحو ديموقراطية مستقرة».

وللأسف، لا تظهر حكومة نوري المالكي أي علامة تشير الى قدرتها على القيام بالتنازلات اللازمة لمصلحة سنّة العراق الأقل عدداً.
•سياسي بريطاني من حزب المحافظين.

مصادر
الحياة (المملكة المتحدة)