تعتقد النخبة الكردية الحاكمة اليوم في اقليم كردستان العراق، ان بوسعها انتهاز اللحظة الامريكية الراهنة في العراق من اجل تحقيق حلمها التاريخي بالتوصل الي انشاء دولة كردية مستقلة عاصمتها كركوك او اربيل او السليمانية، وتراهن تلك النخبة علي التفاعلات الداخلية العراقية نتيجة الاحتلال الامريكي من جهة، وعلي الدعم الصهيوني المباشر من جهة اخري في بلورة الظرف التاريخي والسياسي والدولي المواتي لاعلان تلك الدولة.

بداية، اقول اني اؤيد قيام دولة كردية، اذ من حق الامة الكردية ان تجد تعبيرها السياسي في كيان خاص بها، هذا حق تاريخي مشروع، ولكن ان تقوم للاكراد دولة علي حساب العرب،

فهذا استهتار بالامة العربية وبتاريخها وبشرعية كيانها القومي الاسلامي الواحد الذي لم يقم بدوره حتي الآن نتيجة تكالب قوي الاستعمار القديم ونتيجة سياسات امبريالية منذ فترة الحرب الباردة وحتي الآن، فالكيانات الاقليمية العربية الراهنة كانت هي البديل الاستعماري الذي قدمته لنا عواصم الغرب عقب الحرب العالمية الاولي عن حقنا التاريخي المشروع في ان يكون لنا نحن العرب دولة قومية واحدة، كما للايرانيين دولتهم وكما للاتراك دولتهم، وكلتا الدولتين هما من الدول متعددة القوميات مع وجود قومية غالبة، بذلك فان الحل الطبيعي للمشكلة الكردية ينبغي ان يكون بلقاء يجمع كلا من الاطراف الثلاثة، العرب والايرانيين والاتراك، الذين تتواجد ضمن كياناتهم القومية والقطرية الجماعة الكردية وان يجدوا معها حلاً للمشكلة، اما ان تستفيد جماعة كردية ما من حالة ضعف واحتلال تمر بها الامة العربية كي تعلن دولتها الخاصة، فان هذا ليس حلاً علي الاطلاق، وانما هو تأجيج لوضعية الصراع القديم ـ الجديد، ونذير شؤم وكوارث علي الجماعة الكردية بصفة خاصة وعلي المنطقة كلها بصفة عامة، وهو دليل علي ان الحقد الذي يضطرم في صدور بعض الساسة والمسؤولين الاكراد، بمن فيهم زعماء تاريخيون لهم، ما زال يحجب عنهم اعمال العقل والذكاء والتمييز بين ما يصح ولا يصح، ما هو قابل للحياة والبقاء والاستمرار من حلول وما هو معدوم المستقبل مسدود الافق منها، وبرهان يضاف الي براهين سابقة كثيرة علي تغليب اولئك الزعماء لعنصر التكتيك علي الاستراتيجية في حركتهم، فهم ادمنوا التصرف كقادة ميليشيات جبلية وليس بوســعهم، او بوسع كل ما في خزائنهم الشخصية من اربطة عنق وبزات حديثة ان توحي بانهم رجال دولة حقيقيون ..

نعم، من حق الاكراد ان تكون لهم دولة ولكن ليس علي حساب العرب، وليس علي حساب طرف عربي ما، من حقهم ان يلتقوا فيما بينهم في تركيا وايران والبلدان العربية التي يتواجدون فيها وان يطرحوا كجماعة مشروعهم السياسي الهادف الي اقامة كيان قومي خاص بهم، وان يطلبوا من العرب والاتراك والايرانيين الجلوس معاً اليهم لايجاد حل تاريخي توافقي يضمن حقوق ومصالح كافة الاطراف، بعيداً عن اي تدخل خارجي، اما ان يعطي حزب كردي ما الورقة الكردية ليلعب بها الكيان الصهيوني او تلعب بها الادارة الامريكية، فهذا في واقع الامر تضييع للحق الكردي في الدولة القومية، وحشد وتعبئة للعرب والايرانيين والاتراك ضد فكرتها وضرب لتلك الفكرة في جذورها..

ان ما آلت اليه الاحداث في العراق يثبت انعدام الرؤية والافق عند كل من مسعود بارزاني وجلال طالباني، الرجلين القويين في الحياة السياسية الكردية، داخل العراق هذه اللحظة، فالاثنان جّرا الاكراد العراقيين للانضمام الي الحلف الاستراتيجي الامريكي ـ الاسرائيلي، ذلك الذي يعمل في المنطقة التي يتواجد فيها الاكراد عموماً علي:

ـ تفتيت العراق والاجهاز علي كيانه كدولة واحدة.
ـ تهديد واستفزاز تركيا وابتزازها.
ـ تفجير الصراع القومي بين العرب والاكراد من جهة والاتراك والاكراد من جهة ثانية والايرانيين والاكراد من جهة ثالثة، لقد ربط الحزبان الديمقراطي البارزاني والاتحادي الوطني الطالباني الاكراد باستراتيجية امريكية اسرائيلية لا تراهما الا ادوات يمكن استخدامها مرحلياً نحو اهدافهما المشتركة، وقفزا معاً فوق الحقيقة التاريخية وفوق الحقيقة الجغرافية وفوق الحقيقة الدينية، الي المجهول الذي في جعبة واشنطن وتل ابيب، ولان ميليشاوياً عتيقاً كبارزاني يتقن التصرف بلغة قبضايات الاحياء الشعبية القديمة فيبحث عن القوي او من يعتقده قوياً فيتحالف معه، فقد ذهب الي التحالف مع الكيان الصهيوني مباشرة عقب الاحتلال الامريكي للعراق، وهكذا تأتينا الاخبار من فلسطين المحتلة عنه باستمرار، هو يوجه الدعوة الي اسحق موردخاي وزير الحرب الصهيوني الاسبق والوزير الحالي بحكومة اولمرت لزيارة اقليم كردستان، ونسمع من اذاعة العدو الصهيوني عن الصفقة الاسرائيلية ـ الكردية لتعويض الصهاينة من اليهود العراقيين الذين هاجروا الي الكيان عقب اغتصاب فلسطين عام 1948، ونقرأ تقارير الصحافة الغربية ووكالات الانباء العالمية عن انشطة الشركات الاسرائيلية في اقليم كردستان في شتي المجالات الزراعية والصناعية والامنية الي آخر تلك الانباء المثيرة للاشمئزاز، والتي يجب ان نقر بانها لا تفاجئنا، فهذا موروث عائلة بارزاني، فقد كان مصطفي بارزاني من قبله (والده) هو اول من فتح خطاً مع الصهاينة في الستينات، وكان اول من اعطي الورقة الكردية تارة للشاه وتارة للامريكان وتارة للسلطة في بغداد، اما جلال طالباني، السياسي العتيق الذي كانت شهدت كل من القاهرة في الستينات ودمشق في السبعينات والثمانينات صولاته وجولاته مدافعاً عن حقوق الاكراد، فقد انتهي به الحال في التــــسعينات زائراً دائماً لواشنطن ولندن ثم ركب دبابة الاحتلال الداخلــــة الي بغداد، مسقطاً كل تاريخه منذ كان رئيساً لاتحاد الطلبة الاكراد، مهيلاً التراب علي كل امل في انتاج لقاء عربي ـ كردي يتسم بالندية والاخوة والرغبة في التعايش والتسامح والتوصل الي حلول جذرية وحقيقية..

ان التحاق الاكراد بالاستراتيجية الامريكية للشرق الاوسط الكبير يعني في الحقيقة تدمير المستقبل الكردي تماماً، وعلي ايدي الذين الحقوهم بتلك الاستراتيجية، فالادارة الامريكية ـ الضعيفة جداً ـ الحالية تدعم الاكراد وتلحقهم باستراتيجيتها وغداً ـ بدات تباشيره في الظهور ـ تتغير هذه الادارة وتاتي ادارة جديدة قد تعطي اولوية اخري لعلاقاتها بانقرة، وقد تسعي الي تجاوز ازمتها مع دمشق، وقد تمد جسوراً نحو طهران، فتجتاح القوات التركية اقليم كردستان بذريعة من الف ذريعة تملكها، واقربها الدعم الذي يقدمه بهلوانا السياسة الكردية طالباني وبارزاني لحزب العمال الكردستاني ومقاتليه المنتشرين في جنوب الاناضول.

ان المعارضة الامريكية الراهنة لمنح الاتراك ضوءاً اخضر للتوغل في الشمال العراقي تعود اساساً الي خشيتها من ان يعزز ذلك عمليات المقاومة العراقية لانها تعتقد ان اضعاف الاكراد الآن يعني تلقائياً تقوية المقاومة، ولانها من جانب آخر تعتقد ان مثل ذلك الضوء الاخضر قد يعطي مبرراً للايرانيين للقيام بعمليات مماثلة ضد عناصر يعتبرونها معادية لهم في العراق، ولكن ذلك يحدث هذه الساعة، اي ان المعارضة الامريكية قائمة الآن، فماذا يحدث عندما تتغير الاستراتيجية الامريكية في العراق ويصبح هم الادارة في واشنطن الانسحاب التدريجي والمتسارع من هذا البلد؟

وزير الخارجية التركي عبدالله غول زار واشنطن اوائل النوار/ فبراير الماضي والتقي المسؤولين فيها، ثم سأله الصحافيون عن موقف اولئك المسؤولين من احتمال قيام تركيا بخطوات عسكرية خلف الحدود فاجاب بان الامريكيين لم يوجهوا اليه اي نصيحة بعدم القيام بتلك الهجمات ..
ان نشوء ظرف دولي يسمح بدخول القوات التركية الي الشمال العراقي هو امر وارد جداً، تماماً كما توفر ذلك الظرف فدخل 35 الف جندي تركي مناطق الشمال العراقي عام 1995 ودكوا معاقل حزب العمال الكردستاني، اما الادعاء بان استمرار تواجد عناصر ذلك الحزب الذي يعمل علي احداث انفصال كردي في تركيا داخل الشمال العراقي انما يتم دون موافقة السلطات المحلية في اقليم كردستان، فانه لا ينطلي علي العرب فكيف ينطلي علي الاتراك!

في تركيا دعوات قديمة متجددة لها صداها في الاوساط الشعبية كما في الاوساط العسكرية، تري ان الحل الجذري لانهاء التمرد الكردي المسلح في تركيا هو باحتلال الشمال العراقي، وهي دعوات تتزايد حدتها ومصداقيتها مع كل مسلك وتصريح جديد من جانب البهلوانيين طالباني وبارزاني، بل ان هناك اجماعا عاما لدي الاتراك علي ان هذين هما الداعم الاساسي للعمليات التي ينفذها حزب العمال ضد الجيش التركي، ومن قمة المؤسسة التركية الحاكمة الرئيس سيزر الذي رفض دعوة طالباني لزيارة انقرة رغم كل التوسطات الامريكية، الي رئيس الوزراء اردوغان، الذي هاجم قبل ايام تهديدات بارزاني ضد تركيا والتي قال فيها ان العراق سيتدخل في الشؤون الداخلية لتركيا ما لم تتوقف هي عما وصفه بالتدخل في الشؤون الداخلية العراقية، وهي تهديدات صريحة ومباشرة بدعم من جانبه وجانب طالباني لحزب العمال، ذلك كله انما ينبئ بخطورة المغامرات المتهورة التي يسميها زعماء كردستان العراق بالسياسة، فالسياسة لديهم وفي عرفهم الميليشياوي هي تأزيم الوضع الي الحد الذي يمكن ان ينبثق منه حل قد يكون مرضياً ..

ان ما يعتبره بارزاني وطالباني تدخلاً تركياً في الشان الكردي هو الرفض من جانب انقرة لخطتها المعلنة بشان كركوك، وقصة كركوك هي الاخري نمـــــوذج صارخ للبهلوانية والغباء والعناد بالباطل وقد تــــم مزج هذه العناصر الثلاثة معاً ليصبح اسمـــــها عند الاكراد العراقيين او زعمائهم: سياسة!

فالدستور العراقي المبرم تحت حراب الاحتلال الامريكي فيه المادة 140، ولقد شكلوا لجنة عليا لتطبيق الدستور لا تري فيه سوي هذه المادة التي تنص علي ما يسمي بـ تطبيع الاوضاع بالنسبة للتوزع السكاني، هذه اللجنة العليا تفهم تطبيع الاوضاع علي انه الحاق كركوك بالمناطق الكردية بدعوي انها تاريخياً كانت مدنية كردية، وفي هذا السياق اعلنت اللجنة العليا عن تنظيم استفتاء قبل 31 كانون الاول (ديسمبر) 2007 حول تبعية المدينة لاي اقليم، ثم وضماناً للحصول علي كركوك قررت اللجنة العليا التي يوجهها عملياً كل من طالباني وبارزاني تفريغ كركوك من سكانها العرب والتركمان وفي الوقت نفسه تشجيع الاكراد علي النزوح اليها من مناطق كردية وعربية اخري بحيث تكون نتيجة الاستفتاء المزمع اجراؤه مضمونة عندهم، وهكذا بالترغيب عن طريق منح كل عربي يغادر كركوك 20 مليون دينار عراقي (نحو 15 الف دولار) وقطعة ارض في المنطقة البديلة التي سيغادر اليها ليبني عليها بيتا له، او بالترهيب عن طريق عمليات اختطاف واغتيال للعناصر العربية والتركمانية الرافضة لمغادرة المدينة، يريد الزعماء الاكراد الملهمون امريكيا واسرائيليا الحصول علي كركوك الغنية وما حولها بالنفط الي درجة انها قد تكون الجائزة المناسبة لدعم الاكراد للامريكيين في احتلالهم للعراق. ولكن هذه الخطة محكومة بالفشل لعاملين اساسيين احدهما محلي عراقي، وهو للاسف الثاني من حيث الترتيب في الاهمية والاخر هو العامل التركي.

ان انقرة ترفض ضم الاكراد لكركوك وان يحصلوا علي ما يرونه هم جائزة يستحقونها من الامريكيين والاسرائيليين، ترفض ذلك لانه يمنح اولئك الاكراد ميزة ضخمة اقتصادياً تعزز مطالبتهم بدولة كردية في الشمال العراقي من جهة وترفد بدعمها المتمردين المسلحين وعملياتهم ضد الجيش التركي في الاناضول الجنوبية من جهة ثانية، وانقرة ترفض هذا الضم ايضا استناداً الي اعتبار تاريخي وهو ان كركوك كانت جزءاً من تركيا، وان التركمان هم اهلها واصحابها الاصليون ..

اما العامل المحلي العراقي الذي تأسفنا قبل قليل بانه اقل اهمية في حسم الموضوع، فهو الرفض العربي، السني/ الشيعي، لالحاق كركوك باقليم كردستان، وفي هذا السياق انعقدت عدة مؤتمرات عربية تركمانية مشتركة، كان آخرها المؤتمر العام الرابع الذي انعقد بداية السنة الحالية والذي حضرته الف شخصية عربية وتركمانية من المذهبين السني والشيعي، واعلنت رفضها للمادة 140، وطالبت باطلاق سراح معتقلين عرب تم خطفهم من كركوك عن طريق البيشمركة الي مناطق في الشمال، ومعتقلين آخرين تم تسليمهم الي البيشمركة عن طريق قوات الاحتلال الامريكي..
فالرفض الذي تبديه انقرة لالحاق كركوك ومنطقتها الغنية بالنفط باقليم كردستان العراق تمهيداً لاعلان الاقليم جمهورية منفصلة عن العراق، يعتبره بارزاني تدخلاً تركياً في الشؤون الداخلية للعراق، بينما الاحتلال الامريكي الذي نصّب طالباني رئيساً للعراق وبارزاني رئيساً لكردستان، ليس فيه شبهة التدخل في الشؤون الداخلية للعراق!

يظن قادة الميليشيات الكردية الذين نصبتهم امريكا رؤساء علي العراق ان بوسعهم الرهان عليها اذن، ولكن امريكا الجمهورية او امريكا الديمقراطية ليس بمقدورها ان تمنع الاذي التركي عن الاكراد اذ يتطاولون علي انقرة ويعادونها، هناك شد وجذب راهن بين انقرة وواشنطن ربما يؤثر سلباً بدرجة او باخري علي علاقاتهما التاريخية الوطيدة، بيلوسي علي سبيل المثال مصممة علي اللعب بالورقة الارمنية، وتريد ـ منذ ما قبل توليها لمنصبها ـ ان يقترع الكونغرس علي مشروع قرار بالاعتراف بالابادة الارمنية علي غرار الجمعية الوطنية الفرنسية، وكانت بيلوسي في الفندق الذي نزل فيه عبدالله غول في واشنطن خلال زيارته التي اشرنا اليها قبل قليل في هذا المقال، وتعمدت الا تحدد موعداً للوزير غول مشيعة في اوساطها الاعلامية انها متحمسة لمشروع قرار الاعتراف بابادة الارمن، ومصرحة للصحافيين في نفس الفندق بان مناقشة الكونغرس واقراره للمشروع لن يؤثرا علي العلاقات بين البلدين، ورد غول عليها بان ذلك سيسمم كل العلاقات الثنائية، اذن هناك ضغوط متبادلة بين انقرة وواشنطن، ولكن الاتراك علي اي حال لن يتراجعوا عن رفضهم للدويلة الكردية علي حدودهم الجنوبية، ولن يتخلوا بدورهم عن تحيّن الظرف المناسب لاقتحام تلك الحدود وتوجيه الضربة التي يرون ان عصابة طالباني/ بارزاني تستحقها بقسوة..

اما علي الصعيد العراقي المحلي، فان اليوم التالي لزوال الاحتلال سيكون يوم الاعلان الرسمي عن بدء المواجهة بين العرب والاكراد علي كل الاصعدة، الامنية والعسكرية والسياسية والاقتصادية، سيخوض العرب والتركمان معركة تصفية الحساب مع جماعة طالباني/ بارزاني، وبكثير من الحظ سيغادر الاول ليصبح لاجئاً في دولة اوروبية تقبله، لانه لن تقبله اي عاصمة عربية لاجئاً بعد الآن، وسيغادر الثاني فاراً الي احدي الكهوف في اعالي جبال كردستان الوعرة كما كان ابوه من قبله، وشتّان ما بين هذا المصير وبين المصير الذي كنا نرجوه لكل منهما ولسواهما من القادة الاكراد لو ان لديهم عقلاً استراتيجياً ورؤية شاملة، الا اذا كانا وسواهما يظنان ان الاحتلال الامريكي للعراق هو احتلال ابدي، كان عليهما اذن ان يصيخا سمعهما لصوت الشارع الامريكي..

ان الامة العربية تجمعها بالامة الكردية وحدة الجغرافيا ووحدة الانتماء الي الامة الاسلامية ومن ثم وحدة المصير، وهذه الوحدات الثلاث ينبغي كما ترجمها صلاح الدين الايوبي يوماً من دمشق والقاهرة عملاً جباراً تاريخياً ازاح به الاحتلال الصليبي للمشرق، ان تترجمها الامتان سياسياً اليوم الي صيغة عمل مشترك يصل الي حلول مرضية للجميع وتضمن التعايش بينهما، انطلاقاً من القناعة بان رهان الاكراد الاستراتيجي انما ينبغي ان يكون علي علاقتهم الحميمة والوطيدة بالامة العربية، وان مصالحهم تتقاطع وتلتقي مع المصالح العربية، لان عناصر الضعف عند العرب ليست سرمدية، وهي اقل اهمية من عناصر القوة لديهم والتي تمتلك صفة الديمومة..

ان اتفاقية ابرمت فيما سبق ( 1975) للحكم الذاتي للاكراد في العراق، ولكن الذي وأدها كان مصطفي بارزاني الذي اختار ان يضع يده في يد السافاك والموساد، فاسقط الشاه الاتفاقية لانه لا يريد الي جواره عراقاً قوياً، ملتقياً في هذا الهدف مع نظرائه الصهاينة، كان بالامكان التأسيس علي اتفاقية الحكم الذاتي تلك التي اودي بها الملا مصطفي بارزاني، للوصول الي الدولة الكردية بالتفاوض المباشر بين الاطراف الايرانية والتركية والعربية في مرحلة تالية، ولكن القادة الاكراد اختاروا لانفسهم دور الورقة بيد عواصم عديدة..
ان الحلول للمشكلة الكردية التي سيتفاقم وضعها هذا العام مع الاصرار علي مسألة كركوك، والتي اصبحت قنبلة موقوتة تشبه اقليم كوسوفو في البوسنة، وسيتفاقم اكثر مع زوال الاحتلال، هذه الحلول تبدأ في رايي من اعلان الاكراد التزامهم بوحدة شعب وارض العراق والحفاظ علي كيانه، فحقوقهم انما تدرس وتقر مع اخوانهم في الوطن العراقي الواحد وليس في اي مكان آخر..

في هذه الحالة فقط يمكن نزع فتيل المواجهة الهائلة القادمة والتي سيدفع فيها الاكراد ـ للاسف ـ ثمناً باهظاً جداً لخطايا واخطاء قياداتهم وخيارات فرضوها عليهم..
ولقد اكتشفت بعض القوي الكردية المخلصة هذه الحلول بالفعل، نشير هنا الي القوي السياسية الكردية العراقية التي تسهم مع المقاومة العراقية في العمل ضد الاحتلال، والمتشبثة بوحدة التراب العراقي، وفي طليعتها الحزب الاسلامي الكردستاني، ثالث اكبر حزب سياسي في الاقليم الكردي بزعامة الشيخ الجليل ابراهيم عبدالعزيز، صاحب الدور المشرف في هيئة العلـــــماء المسلمـــــين وفي المؤتمر التاسيسي الوطــــني العراقي، وهي دعوة مخلصة من المنتمين الي الامة العربية والاسلامية الي شـــــرفاء الاكراد وعقلائهم واحرارهم، لان يتوقفوا عن طعن الامة العربيـــــة في ظهرها، لان يأتوا الي كلمة ســــواء، لان يميزوا ما ينفـعهم عما يضرهم، فما قد ينفعهم ـ في الظاهر الآن ـ سيضرهم ـ بالتاكيد ـ غداً..

واختم بان احد ابرز قوانين التاريخ اهمية، واكثر دروسه وضوحاً، ان الاقلية التي تعزل نفسها عن الاغلبية الشريكة لها في الوطن وتفضل عليها الاجنبي، هي اقلية تحكم علي نفسها بالهزيمة، سواء كانت تلك الاقلية طائفة دينية (بعض المسيحيين في لبنان علي سبيل المثال، وتجربتهم الحديثة في الحرب الاهلية ورهانهم علي الكيان الصهيوني والامريكان والفرنسيس) او كانت اقلية من لون سياسي معين (الجزائريون الذين انحازوا للاستعمار الفرنسي ضد ابناء جلدتهم فخرجوا في النهاية مع المستوطنين الفرنسيين اثر اجبارهم علي المغادرة) او كانت اقلية اثنية.. كالاكراد، علي هؤلاء اذن ان يقراوا التاريخ جيداً، وعليهم ان يصححوا موقفهم منه.

مصادر
القدس العربي (المملكة المتحدة)