كم أضحكتني دائماً ترجمة هذه الكلمة إلي العربيّة.. الشاطر والمشطور والكامخ بينهما من الجبنة، او اللحمة واللائحة طويلة أمامك للإختيار. ولكن لم أفكر يوماً أن يصبح شعب بأكمله كامخاً بين الشاطر والمشطور من الموالاة والمعارضة..
لم أعتقد يوماً أن الشعب اللبناني الطيّب وبكل عنفوانه وثورته وعزّة نفسه يتحوّل إلي ألعوبة بأيدي من وبالحقيقة وبدون أي شك سلبوه جميع حقوقه الإجتماعيّة والسياسيّة والحياتيّة فأصبح كل مواطن منا مشروع تفقير أو مشروع إلحاق قسري بزعيم أو بطائفة أو مذهب أو ملة....

فأصبحنا كقصبة في مهب الريح لا حول لنا ولا قوّة....
خرجنا من زمن الوصاية السوريّة ولم نسأل أنفسنا يوماً لماذا كانت الوصاية السوريّة وما أنتجته هذه الوصاية...

إنتقلنا في مراحل الحرب من مرحلة إلي مرحلة....
بعد أن تمركزت كل المحاور والإتجاهات علي إضعاف هذا البلد ومنذ هزيمة حزيران (يونيو) التي أعطيناها الإسم الذي يناسب كل واحد منا وأهمها النكسة أو غيرها من الأسماء..

بعد هذه الهزيمة والتي كانت فعلا هي التحول الأساسي والرسمي لإعادة وضع خارطة جديدة للشرق الأوسط مقابل المناطق التي اُحتلت في هذه الحرب ولم تخرج الإستراتيجية الإسرائيلية الأمريكية المدعومة وبالشكل العام غربياً عن منطق فصل المراحل ولا بد أن يكون لكل مرحلة ضحية..

فالمرحلة الأولي كان ضحيتها الشعب الفلسطيني الذي هُجر من دياره وكثير من الأوروبيين لا يعرفون هذا الأمر....
بل المعروف عندهم ان هناك غولا عربيا إسلاميا يحاول ابتلاع إسرائيل ورميها في البحر وممارسة الإرهاب عليها..
المرحلة الأولي هي مرحلة لاجئي الـ 48؛ ولكن هذه المرحلة لم تكن كافية لأنه كان لا بد من أن يتم نسيان المرحلة الأولي بمرحلة ثانية أعنف وأرقي تخطيطاً وأعقد خلطاً لأوراقها..

فبعد العدوان الثلاثي علي مصر في العام 56 كان من الضروري التخطيط لاحتلال كامل لفلسطين ومناطق في العمق الإستراتيجي للدول العربية بحيث تكون نواة للتفاوض وهذه هي المرحلة الأساسية لأزلية دولة إسرائيل.. فابتلع ما ابتلع من الأراضي المعروفة للجميع..وهكذا بدأت مرحلة جديدة من مراحل الصراع....
إنتهت بحرب تشرين التي أدت إلي فصل المسارات التحاورية العربية إن كان من أجل الحرب أو السلام..

فنشأت وحتي الآن مرحلة صراع ما بعد حرب تشرين التي توجت باتفاقات كمب ديفيد وغيرها من الإتفاقات وصولاً إلي أوسلو..وخلال تلك المراحل كان الشعب الفلسطيني وما زال هو الضحية..

وحركية الصراع للقضاء علي هذه الضحية كانت تتمحور في بلاد تواجد الشتات الفلسطيني وخصوصاً في دول الجوار الإسرائيلي..
وكان للبنان حصة الأسد في هذا الصراع....

حتي أصبح لبنان بأكمله حصة لهذا الأسد بعد صراع مرير في بداية الحرب الأهلية اللبنانية الفلسطينية العربية الغربية..
وطبعاً العامل الأساسي فيها العامل الفلسطيني الإسرائيلي السوري محاور متناحرة، متنافرة ومتقاتلة علي أرض هذا الوطن الصغير..
لا نريد الخوض في مآسي وأسباب ونتائج هذه الحرب بالتفصيل؛ لكننا لا بد أن نتوقف عند الحلقات المهمة من حلقات هذا الصراع ... الحركة الوطنية اللبنانية.. المقاومة الفلسطينية.... الجبهة المضادة والتي أصبحت فيما بعد القوات اللبنانية..
فإذاً الصورة في بداية الحرب الأهلية اللبنانية لم تكن تختلف كثيراً عن مستوي الصراع الدولي في منطقة الشرق الأوسط.

وكل هذه القوي كانت وللأسف إنها ما زال جزء كبير منها مرتبطا بالمعادلات الخارجية للصراع العربي الإسرائيلي وصراع النفوذ الدولي.... والذي أصبح الآن متحوراً حول لاعبين إقليميين ولاعب أساسي هو اللاعب الأمريكي بضغط متفاوت من الأوروبي.... بعدما كان سابقاً بيد لاعبين دوليين أساسيين والمقصود ما سمي سابقا بالإتحاد السوفييتي....

إن احتدام الصراع قي بداية الحرب الأهلية اللبنانية كان لا بد أن يدخل حلقة الصراع الداخلي اللبناني لاعبين إقليميين..
فكان التدخل السوري والذي تبعته قوات ردع عربية وبعده احتلال إسرائيلي ثان وهيمنة سورية وهزيمة سورية ... واسرائيلي....

وأصبح لبنان ورقة تجاذب عسكرية وسياسية في محور الصراع في المنطقة..
كل هذا كان سببه فقدان السيادة اللبنانية علي جميع الأراضي اللبنانية..
هذا لا يعني فقط وجود سلاح خارج إطار سلاح الجيش اللبناني بل يعني فقدان السيادة السياسية والمواطنيّة الصادقة والمخلصة لبناء وطن يعتمد علـــــي أسس علمية منهجية متطورة متقدمه أن تجعل الثقافة الأساسية فيه هي ثقافة مقاومة لكل أنواع التدخلات الأجنبية في الشأن اللبناني الداخلي..
والفصل بين الصداقة والتعاون الدولي والإملاءات السياسية التي يجب أن تنفذ بدون مناقشة...

فإذاً بيروت كانت الضحية بين المطرقة الإسرائيلية والسندان السوري الفلسطيني المتصارع عليه عربياً..... والمتوافق عليه دولياً حيناً ومرفوضاً حيناً آخر...
هذه هي بداية سلاح المقاومة والذي يأخذ الجدل العقيم في هذا الوقت... المقاومة وكما سميتها دائما هي حالة شعبية لا تنتصر إلا بامتداد جماهيري يحميها....
ومهما بلغت قوة أية مقاومة في العالم فبدون احتضان شعبي لها لا بد أن تسقط في النهاية..
وللمقاومة واجبات وحقوق.... فواجبات المقاومة الدفاع عن عزة وكرامة وسيادة الوطن ضد الخارجي ومهما كان هذا الأجنبي....
كما عليها واجبات حماية حقوق المواطن وتحصين الوحدة الوطنية وصيانة التلاحم الوطني..

وللمقاومة حقوق وهذه الحقوق التي يتناساها كثير من أهل السياسة في لبنان؛ أنها حقوق الشهداء ودماء الشهداء وكرم الشهداء هو أسمي معاني الوطنية والمواطنية..
وحق لكل مقاوم وعلي كل لبناني وأينما وجد وتواجد أن يحترم ويقدر ويدافع عن هذه الدماء الزكية الطاهرة التي روت أرض الوطن....

وحق لكل مقاوم علي كل لبناني من الموالاة أم من المعارضة أن لا يقحم دماء هؤلاء الشرفاء في المماحكات السياسية والمذهبية والزواريب الطائفية.... فهؤلاء هم شهداء الوطن..... ورافعو رايات الوطن العالية..
هذه هي بداية الصراع الذي نشهده اليوم.. سنكمله في مرة قادمة.... وخصوصاً في ذكري انسحاب وانتهاء الهيمنة السورية علي لبنان....
سنحاول إلقاء الضوء علي حكومات الظل في زمن الوصاية....
والحكومة بعد أن انسحب الظل المهيمن إلي أين؟ هل تلتقي مصالح الوطن والمواطن مع هكذا حكومات.....

مصادر
القدس العربي (المملكة المتحدة)