يعود العراقيون من مؤتمر شرم الشيخ، وكل فريق (طائفة) يشعر بأنه حقق انجازاً: نوري المالكي يعود وفي جعبته وعود بإلغاء 20 بليون دولار من الديون المستحقة على بغداد، وبدعم مشروط لحكومته. جبهة «التوافق» تعود محققة انجازاً يتمثل في دعم عربي لطروحاتها اجراء مصالحة مع الجماعات المسلحة التي يمثل السنة عمودها الفقري، وإلغاء المحاصصة السياسية. الأكراد يعودون وقد نجحوا في تثبيت مبدأ الفيديرالية في البيان الختامي للمؤتمر. «الائتلاف» الشيعي، خصوصاً حزب عبدالعزيز الحكيم، يعود وقد كبّل حكومة المالكي بشرط القضاء على الميليشيات، أي على خصمه اللدود، تيار مقتدى الصدر و «جيش المهدي».

المؤتمر الذي كان يفترض فيه تكريس وحدة الحكومة العراقية، كي لا نقول وحدة العراقيين، كرس انقسامها: الشيعة اعتبروا مجرد لقاء، ولو عابر، بين رايس ومتقي دعماً لهم، وبداية لعلاقات أميركية - ايرانية بعيدة عن التهديد العسكري. السنّة وضعوا المالكي أمام مسؤولياته، فاستمراره في الحكم مرهون بتلبية شروط «وثيقة العهد» وهي الشروط ذاتها التي أعلنتها جبهة «التوافق» قبل المؤتمر، مهددة بالاستقالة من الحكومة إذا لم تنفذ.

الواقع ان «الانجازات» التي حققها المؤتمرون الآخرون كانت أهم من الانجازات التي حققها العراقيون، ولربما كانت الولايات المتحدة في مقدم هؤلاء، فهي صاحبة المؤتمر والداعية اليه لأهداف يتعلق بعضها بالعراق، ومعظمها يتصل بمعركة بوش في الداخل وفي الخارج.

كان بوش في حاجة الى هذا المؤتمر لإلقاء جزء من العبء الذي يتحمله على الأمم المتحدة التي استبعدها نهائياً في بداية الحرب، وأراد إصلاحها أو إلغاءها. وعلى دول، بينها ايران وسورية، وضعها في «معسكر الشر»، وأصدقاء حذرهم من الوقوف ضد مشروع الشرق الأوسط الكبير، ونشر الديموقراطية كي لا يصبحوا أعداءه. باختصار قضى بوش على علاقات واشنطن مع الجميع من أجل حربه على العراق، ويحاول الآن اصلاح هذه العلاقات عبر العراق المدمر.

كسرت رايس، في مؤتمر شرم الشيخ، محرمات وضعها البيت الأبيض قبل احتلال العراق للضغط على دول «محور الشر» كي لا تقف ضد الغزو، أو لإلغاء دورها الاقليمي لتسهيل بناء «شرق أوسط» أميركي، أطلقت عليه صفة «الجديد» أو «الكبير»، ولمساعدة حليفته «الديموقراطية الوحيدة» في هذا الشرق، في القضاء على المقاومة والدخول في المعادلة الجديدة.

التقت رايس نظيرها السوري وليد المعلم. تخلت عن غطرستها. تراجعت عن انتقاد البيت الأبيض زيارة رئيسة مجلس النواب نانسي بيلوسي دمشق. لم تملِ شروطاً. لم تردد الشعار الأميركي الشهير أن «سورية تعرف ما عليها فعله». تركت الباب مفتوحاً للقاءات أخرى، قد تنجح وقد تفشل. صحيح أنها لم تناقش معه أي موضوع غير الموضوع العراقي، خصوصاً الموضوع اللبناني، لكن الصحيح أيضاً أن مجرد اللقاء اعتراف بأن لدمشق دوراً اقليمياً سعت واشنطن إلى إلغائه، مهددة باستخدام القوة.

دمشق، بدورها، اعتبرت اللقاء بداية لعودة العلاقات، مراهنة على تراجع المشروع الأميركي، وحاجة واشنطن إلى مساعدة الدول الاقليمية لتغطية هذا التراجع، خصوصاً بعد فشلها وإسرائيل في الحرب على لبنان. مقابل الاعتراف الأميركي العملي بالفشل تقدمت سورية خطوة. ذهب المعلم الى اللقاء وقد سبقته أنباء اعتقال العشرات من المتطوعين الإسلاميين قبل دخولهم إلى العراق. واعترف الجيش الأميركي بتراجع عمليات التسلل عبر الأراضي السورية.

يعود المؤتمرون من شرم الشيخ، وكل حقق انجازاً. يعودون إلى واقع بلدانهم ليواجهوا صراعات لا تفيد كل مقررات المؤتمر في معالجتها. الانجاز الوحيد «المفيد» هو الإعلان المدوي لبداية النهاية لمشروع بوش.

كان تحليل ريتشارد هاس صائباً حين كتب ( «فورين افيرز» كانون الأول/ ديسمبر 2006) ان العصر الأميركي في الشرق الأوسط بدأ ينحسر وعوامل الانحسار كثيرة، بعضها بنيوي، وبعضها صنعته إدارة بوش، عندما قررت احتلال العراق وقضت على قوة كانت تشكل توازناً في مواجهة إيران.

مصادر
الحياة (المملكة المتحدة)