أكدت مصادر ايرانية مطلعة لـ «الحياة» ان طهران «غير راضية» عن ما تعتبره «ارتجالاً» في السياسة السورية ازاء الولايات المتحدة، خصوصاً اللقاء الاخير بين وزيري الخارجية السوري وليد المعلم والأميركية كوندوليزا رايس على هامش مؤتمر شرم الشيخ الذي جاءت نتائجه حسب تقديرها «في غير مصلحة دمشق».

وقالت المصادر ان ايران تدرك جيدا المساعي الاميركية، وحتى الدولية والاقليمية، لإيجاد فجوة بين الموقفين الايراني والسوري من قضايا وملفات الشرق الاوسط ولا تراها خافية على احد، لذلك تسعى لترتيب أولوياتها وعدم ربط أوراقها بأي طرف اقليمي، مفضلة الاحتفاظ بكل خيوط اللعبة مع المجتمع الدولي، وخصوصا الادارة الاميركية، في يدها، من دون ان تتخلى عن تحالفاتها الاستراتيجية مع سورية والامنية والاقتصادية مع الغرب والدول الخليجية.

وتابعت ان طهران تبدي عدم ارتياحها ازاء التصرف السوري خلال استقبال دمشق رئيسة مجلس النواب الاميركي نانسي بيلوسي وما سبقه من مواقف على هامش قمة الدول العربية التي عقدت أخيراً في الرياض، وحجم التنازلات التي قدمتها سورية مقابل وعود بتطبيع العلاقات بينها وبين عدد من الاقطاب العرب، وتخفيف الضغوط عليها في الملف اللبناني والمحكمة الدولية لمحاكمة قتلة رئيس الوزراء اللبناني الاسبق رفيق الحريري.

وتؤكد طهران ان بيلوسي و86 نائبا ديموقراطياً في الكونغرس قدموا طلب تأشيرات لزيارة ايران، لكنها لم ترد عليهم مشترطة ان يكون الطلب علنياً ورسمياً وان تكون للزيارات اهداف محددة وواضحة تؤكد ان تغييراً جوهرياً بدأ يتبلور داخل الادارة الاميركية بجناحيها (الجمهوري والديموقراطي) من ايران ونظامها الاسلامي.

وترى طهران ايضا ان اللقاء بين الملعم ورايس لم يكن في مصلحة سورية، اذ كان من المفروض ان يتم التمهيد جيداً له ووضع جدول اعمال يشمل كل الملفات الاقليمية ذات العلاقة بسورية من قريب او من بعيد، خصوصاً ان ما تريده دمشق اكثر بكثير من مجرد ترطيب الاجواء مع واشنطن الذي لم يحصل حتى. وتعتقد ايران ان اقتصار المباحثات بين الجانبين على الملف العراقي ومنع تسلل الارهابيين من سورية الى العراق لم يصب في مصلحة الجانب السوري، لأنه سيدفع الادارة الاميركية الى استغلال حاجة سورية الى تحسين اوضاعها الدولية، وبالتالي تقسيط المطالب الاميركية ملفاً تلو الآخر من دون تقديم اي محفزات او ضمانات لدمشق في المستقبل. ومعنى هذا ان اي خطوة لتحسين العلاقات الاميركية مع دمشق في المستقبل ستكون رهناً بتحقيق تقدم على مسار أحد هذه الملفات.

لذا ترى طهران ان الخطوة السورية باتجاه واشنطن، التي كانت بلا شك مدعومة وممهداً لها عربياً، لن تحمل الكثير من الفائدة لدمشق بل ستساهم في اضعاف موقفها وسلبها اوراقها تدريجاً، وانه كان الحري بالجانب السوري ان يضع جدولا مدوناً لأعمال اللقاء والاتفاق والتوقيع على نقاطه بين الطرفين حتى ولو أدى ذلك الى تأجيله لفترة لاحقة.

الشروط الإيرانية

وفي المقابل، ترى المصادر نفسها ان الجانب الايراني ربط الموافقة على الدخول في حوار مباشر مع الادارة الاميركية بخطوات عملية كان طالب واشنطن بها كتعبير عن حسن النيات، وتشمل:

1 - اطلاق سراح الديبلوماسيين الايرانيين الخمسة الذين اعتقلوا من القنصلية الايرانية في أربيل العراقية.

2 - الاعلان عن تحرير الودائع المالية الايرانية المجمدة في البنوك الاميركية منذ 27 سنة.

3 - الاتفاق على جدول اعمال للقاء رايس - متقي مكتوب ومحدد ولا يقتصر على الموضوع العراقي، بل يتعداه ليشمل كل الملفات الاقليمية بما فيها الملف النووي الايراني.

4 - تقديم ضمانات اميركية بتنفيذ ما يتم الاتفاق عليه بين الطرفين.

5 - وضع أسس لتفاهمات حول الملفات الاقليمية بين الطرفين، من العراق وافغانستان ولبنان وفلسطين وصولا الى الملف النووي.

ولما لم تكن الادارة الاميركية ووزيرة خارجيتها على استعداد لبحث السلة الايرانية المتكاملة ومحاولتها حصر المفاوضات في الموضوع العراقي، فضلت القيادة الايرانية تأجيل المباحثات الثنائية الى حين الاتفاق على هذه التفاصيل، معطية الضوء الاخضر للاستمرار في عقد لقاءات على مستوى خبراء من كلا البلدين للتوصل الى أفضل صيغة مضمونة النتائج طالما ان «تحريم» الاتصال مع الادارة الاميركية أزيل، انطلاقا من ضرورات المرحلة والحفاظ على النظام الايراني.

وترى طهران ان افضل ضمان للحصول على تفاهمات طويلة الامد مع واشنطن الجلوس الى طاولة المفاوضات بعد انجاز أطر اللقاء بين خبراء الطرفين، بما يجعل اللقاء خطوة اخيرة للتوقيع عليها، على العكس من المسار الذي اتبعته دمشق التي رأت في اللقاء بين المعلم ورايس خطوة ايجابية قد تخفف الضغوط عنها.

مصادر
الحياة (المملكة المتحدة)