مع تأكيد قائد قوات الأمم المتحدة العاملة في الجولان جين ولفجانج جيلك أن سورية لا تستعد للحرب، فإن مسألة "الحرب" تظهر وكأنها معركة سياسية لا علاقة لها بحسابات الحكومة الإسرائيلية، أو حتى بالصراع لإسقاط أولمرت، بل هي أيضا تمتد إقليميا لتشمل كل المسائل في المنطقة، حيث تبدو احتمالات التصعيد تنتظر حسم التوجه الأمريكي والدولي تجاه أربع قضايا أساسية مترابطة رغم التباعد الجغرافي أحيانا. فالوجود الأمريكي في العراق والملف النووي الإيراني والوضع اللبناني وأخيرا مسار التسوية الفلسطيني الإسرائيلي، هي مواضيع معلقة ربما تننتظر حسما سياسيا في البداية قبل الحديث عن حرب مقبلة.

ووفق مقابلة مطولة مع صحيفة الجروزولم بوست الإسرائيلية اعتبر "جيلك" أنه من الناحية الاستراتيجية لا شيء "يمكن أن يقلق إسرائيل"، فسورية لم تقم سوى بإصلاح الخنادق ضمن المناطق "المسموح انتشار القوات بها" وهي لم تحشد سوى 40% من القوات المحددة وفق اتفاقية فصل القوات لعام 1974. وبين "جيلك" أن النشاط الأكبر هو على الجانب الإسرائيلي من الحدود. وهذه التصريحات تتعارض مع رؤية مسؤولي الدفاعِ الإسرائيليينِ، الذين أشاروا إلى أن الحشود السورية "لم يسبق لها مثيل" وأن هناك مناورات توحي بأجواء حرب قادمة.
وبالطبع فإن الواقع العسكري هو عامل واحد فقط في تقرير مسألة أي حرب إقليمية قادم، فالنشابك السياسي هو ما يدفع اليوم إلى حساب احتمالات الحرب، طالما ان القضايا المطروحة وصلت لمجال مسدود. والواضح ان التعامل السياسي في المنطقة إجمالا ينتظر ظهور استراتيجية جديدة غير تلك التي طرحها بوش بداية العام الحالي، لأن هذه الاستراتيجية عالقة في اتجاهين:

  الأول عسكري حيث بيدو تصاعد العنف في العراق شأنا غير مساعد في استمرار هذه الاسترايجية، في وقت لم تحمل خطة بوش أي مجال سياسي واضح، فهي ماتزال تحمل نفس السمات الأساسية "القطعية" التي تحاول فرض جغرافية – سياسية عبر الحرب.

  الثاني سياسي متعلق بالولايات المتحدة والصراع ما بين الكونغرس والإدارة الأمريكية، وهذا الإرباك أدى على صعيد دولي إلى ارتجاج في مختلف المسائل، وعلى الأخص الملف النووي الإيراني، حيث لا تتعامل باقي الدول الأعضاء في مجلس الأمن بشكل حاسم مع هذا الملف، مستفيدة من الواقع الأمريكي بالدرجة الأولى.

هذه النتيجة توحي بأن وجود استراتيجية سياسية يبقى أهم من أي "حروب استباقية" على سياق ما قامت به الولايات المتحدة على امتداد سبع سنوات، لكنها في نفس الوقت ماتزال تملك نفس الرؤية، وهو ما دفع وزارة الدفاع الاميركية للبدء بنشر عشرة الوية مقاتلة في العراق خلال هذا العام، رغم الصراع السياسي الحاد حول بقاء القوات الأمريكية في العراق، فمسألة الحسم السياسي ماتزال بعيدة مما يتيح لاستمرار تكثيف العمل العسكري، وبالتالي رفع احتمالات الحرب. لأن ما يحدث في العراق ينعكس مباشرة باتجاه سورية والضغوط الأمريكية عليها، ونحو لبنان وما تعيشه من افتراق سياسي داخلي.

عمليا فإن الترابط بين المسائل العالقة في الشرق الأوسط هو في طبيعة نظرة الإدارة الأمريكية للمنطقة، فإذا كانت الاستراتيجية التي سادت نهاية القرن الماضي تنظر إلى إلى الأدوار الإقليمية كمسألة أساسية في معادلة المنطقة، فإن نقطة التوازن اليوم هو الوجود العسكري الأمريكي وما ينتج عنه من واقع سياسي، وهذا الأمر يرفع سقف احتمالات نشوب "صراع إقليمي" بسبب انعدام الحلول السياسية.

المشكلة الأساسية في حساب احتمالات الحرب كما تتحدث عنها التقارير هو انتهاء المعادلة الإقليمية القديمة دون وجود توازن استراتيجي جديد، فالقوات العسكرية في المنطقة متواجدة بكثافة، لكنها في نفس الوقت لا تملك نتائج سياسية تريدج الوصول إليها، فالعراق "الموحد والأمن" أو "الاستقرار في لبنان" إضافة لـ"تفعيل عملية السلام" تحتاج إلى تعامل سياسي موحد دولي وإقليمي، وفي نفس الوقت تتطلب رؤية للشرق الأوسط في مرحلة ما بعد احتلال العراق وهو امر مفقود اليوم.

احتمالات الحرب لا تحمل في اللحظة الراهنة أي مسار منطقي، فالسياسة الأمريكية شكل عبر السنوات الماضية كما من التعامل الجديد بحيث يصعب حساب احتمالات الصراع بشكل منطقي، وهي تخوض حروبا مركبة ما بين القتال العسكري و "الصراع الثقافي" لإنتاج "شرق أوسط جديد". وفي نفس الوقت تتيح نتيجة التعثر والإرباك لظهور "بيئة استراتيجية" تثبت أنه من الصعب فرض جغرافية – سياسية بالقوة داخل الشرق الأوسط.

مصادر
سورية الغد (دمشق)