أعلن في نيويورك امس ان الامين العام للامم المتحدة بان كي - مون طلب من الحكومة الهولندية استضافة مقر المحكمة ذات الطابع الدولي لمقاضاة المتهمين بالاغتيالات السياسية في لبنان. في موازاة ذلك، تراجعت حظوظ التوافق بين زعيم «التيار الوطني الحر» العماد ميشال عون والرئيس اللبناني السابق الرئيس الأعلى لحزب الكتائب أمين الجميل، على تزكية الأخير في الانتخابات الفرعية المقررة في دائرة المتن الشمالي في 5 آب (أغسطس) المقبل، ما يدفع الى منازلة سياسية كبرى. وأعلن عون خوضه، مع حليفيه النائب ميشال المر وحزب الطاشناق، المعركة الانتخابية، وبقي هناك أمل صغير بامكان نجاح الوساطات بين الجانبين، وآخرها كان موفد للبطريرك الماروني نصر الله صفير لم يفلح في إقناع عون بسحب مرشحه في مواجهة الجميل.

وفيما دعا النائب السابق عن بيروت تمام سلام الناخبين في الدائرة الثانية في العاصمة الى تأييد مرشح تيار «المستقبل» في الانتخاب الفرعي، أكدت مصادر تحالف حركة «أمل» و «حزب الله» لـ «الحياة» إصرارهما على عدم الاشتراك في عمليات الاقتراع في بيروت، انسجاماً مع موقفهما اعتبار الدعوة الى الانتخابات الفرعية من قبل حكومة الرئيس فؤاد السنيورة، غير شرعية نظراً الى تأكيدهما المبدئي ان الحكومة «غير شرعية» منذ خروج وزرائهما منها في 11-11-2006.

وبدأ الموفد الفرنسي الى لبنان جان كلود كوسران زيارته أمس لاستكشاف الخطوات التالية لهدف الديبلوماسية الفرنسية عودة الحوار اللبناني، بعد نجاح حوار سان كلو في كسر الجليد بين الأكثرية والمعارضة قبل زهاء 10 أيام. فالتقى فور وصوله السنيورة ثم زعيم تيار «المستقبل» النائب سعد الحريري والعماد عون مساء، وتشاور مع ممثلي طاولة الحوار الـ14 من الصف الثاني الذين حضروا لقاء سان كلو، الى مائدة عشاء لاطلاعهم على نتائج زياراته سورية ومصر والسعودية، والتشاور معهم حول اقتراحاتهم لسبل استئناف الحوار في المرحلة المقبلة.

وقال كوسران ان هدف لقاءاته التي ستشمل مسؤولين في «حزب الله»، هو اعداد برنامج زيارة وزير خارجيته برنار كوشنير بيروت السبت المقبل. وذكر انه في زيارته لسورية «لم أذهب للتفاوض»، مشيراً الى انه اطلع السلطات فيها على نقاشات سان كلو.

وأشار بعد لقائه الحريري الى ان حوار سان كلو كانت له نتائج ايجابية ولو لم يتم حل كل المشاكل، معتبراً ان زيارة كوشنير لتطوير المبادرة الفرنسية واعادة إطلاق الحوار بين القوى السياسية اللبنانية وتقريب وجهات النظر بينها.

أما على صعيد انتخابات المتن التي تتجه الى معركة لها دلالاتها، فقد جاء إعلان عون خوض المعركة بعد استقباله المطران بولس مطر موفداً من البطريرك صفير، والذي اقترح عليه التوافق بسحب مرشحه، لكن عون رفض ذلك لأن المسعى لم يقترن بأي اقتراحات سياسية. كما جاء بعد اجتماع لتكتل التغيير والإصلاح النيابي الذي يضم المر وحزب الطاشناق. وتحدث المر مؤكداً التحالف مع عون «وإذا قضت المصلحة خوض المعركة فسنخوضها وإذا ارتأى العماد عون غير ذلك نحن معه». وكرر الأمين العام للطاشناق هوفيك مختاريان القول ذاته، وأضاف: «إذا الغير أراد التوافق اعتقد بأن هناك أملاً صغيراً».

لكن عون غمز من قناة الجميل الذي ترشح لمقعد شغر باغتيال نجله بيار، فدعا الى «الكف عن استغلال دم الشهادة»، وقال: «لنعد المعركة الى طبيعتها السياسية». وأضاف: «يعرفون القتلة (في اغتيال بيار الجميل) وقد يكونون شركاء الحكومة». ورأى ان أحد أهداف المعركة صلاحيات رئيس الجمهورية، و (ضد) تهميش المسيحيين.

إلا أن الجميل تحدث عن وجود إطار للحل في الانتخاب الفرعي، معتبراً ان الاستحقاق «هو للوفاء لاستشهاد بيار». وأضاف: «لسنا هواة معارك للذة المعارك، فالمعارك لا نخوضها الا لزاماً وعندما تقتضي مصلحة البلد ذلك. ونؤكد رداً على ما يقوله البعض عن نوافذ للحل، ان طموحنا بأن تكون هناك نوافذ واسعة جداً للحل، ولا نريد سوى الوفاق ويدنا ممدودة حتى يكون الاستحقاق فرصة لاعادة جمع الشمل، خصوصاً المسيحي، ونحن في مواجهة استحقاقات خطيرة وحتى تهديدات، وإذا كانت هناك فرصة للوفاق وتجنيب المنطقة أي معركة تزيد الشرخ بين أهل المتن واللبنانيين، فنحن ننتهز هذه الفرصة وسنعمل بجهد اذا سنحت الظروف، للوصول الى هذا الأمر».

وقالت لـ «الحياة» مصادر حليفة للعماد عون ان قراره خوض المعركة الانتخابية مع حليفيه المر والطاشناق، لا يعني ان الأبواب أقفلت نهائياً في وجه مساعي التوافق على رغم ان حظوظه ضئيلة.

وأكدت المصادر انه إضافة الى جهود البطريرك صفير لهذا الغرض، فإن الأمين العام لحزب الطاشناق يتحرك بدوره لتقريب وجهات النظر بين عون والجميل، وانه سيزور الأخير في غضون ساعات.

وتابعت المصادر ذاتها ان عون أبلغ المطران مطر ان لا مشكلة شخصية بينه والرئيس الجميل، وانه اذا كان هناك شيء شخصي فالمسؤولية تقع على الأخير بسبب رفضه قيامه على رأس وفد من «التيار» بزيارة لبكفيا لتقديم التعازي باستشهاد نجله بيار وامتناعه عن تلقي اتصال هاتفي من عون.

لكن مصادر معنية بالاستحقاق الانتخابي في المتن الشمالي لاحظت ان المعركة ذاهبة الى «منازلة سياسية كبرى» إذا لم تحصل مفاجأة في اللحظة الأخيرة تجنب المنطقة هذه المعركة. وتحدثت المصادر ذاتها عن تعاطي الجميل وعون بـ «عناد» مع المعركة، مشيرة الى انهما «لا يبديان مرونة» لتفادي حصولها، ومؤكدة ان كلاً منهما يتباهى بأن لديه قدرة الفوز على الآخر، انطلاقاً من استطلاعات الرأي.

لكن المصادر عينها أكدت ان لتحالف المر – الطاشناق ثقلاً أساسياً في حسم المعركة لمصلحة أي طرف منهما، وانهما سيقفان الى جانب عون ولن يتخليا عنه. لكنها أشارت الى ان القدرة على التعبئة والحشد في الانتخابات الفرعية أقل منها في الانتخابات النيابية العامة، لا سيما ان ناخبين كثراً يعتبرون انهم غير معنيين بها، باعتبار ان المرشح ليس من الطائفة التي ينتمون اليها.

مقر المحكمة الدولية

وفي نيويورك، أعلنت الناطقة باسم الأمين العام للأمم المتحدة ماري اوكابي أن الأمين العام بان كي - مون بعث برسالة أمس إلى رئيس وزراء هولندا «دعا فيها حكومة هولندا الى النظر في استضافة المحكمة الخاصة للبنان» مقراً لها، وهو «يأمل أن تولي حكومة هولندا دراسة جدية لهذا الطلب وينوي أن يبقى على اتصال وثيق مع الحكومة للبحث في أية مسائل ذات علاقة بهذا الطلب».

وبحسب أوكابي، «شدد الأمين العام في رسالته على أن هولندا تستضيف حالياً محاكم عدة مثل محكمة العدالة الدولية والمحكمة الدولية الجنائية والمحكمة الدولية ليوغوسلافيا السابقة، وأن هذه الخبرة التي اكتسبتها يمكن أن تكون ذات قيمة عظيمة للمحكمة الخاصة للبنان».

وأنشأ مجلس الأمن، بموجب الفصل السابع من الميثاق، المحكمة الخاصة للبنان، لمحاكمة المتهمين في الاغتيالات السياسية، وفي مقدمها اغتيال رئيس الحكومة السابق رفيق الحريري ورفاقه.

وأكدت أوكابي أن مقر المحكمة «عائد إلى الحكومة الهولندية» لتقرر هي إذا وافقت على طلبه، وأين تريد للمقر أن يكون في أراضيها. وبحسب المصادر، ليست العاصمة الهولندية لاهاي بالضرورة مكان المقر، وانما في منطقة اخرى في هولندا، إذا وافقت الحكومة على طلب بان. ولم تستبعد مصادر إحتمال إختيار كمب زيست حيث جرت محاكمة الليبيين المتهمين بتفجير لوكربي نظرا الى توافر معايير أمنية مرتفعة فيه.

تقليدياً، يُفترض بان تكون اتصالات واسعة سبقت اعلان الرسالة الرسمية الى الحكومة المعنية، ما يترك الانطباع بأن الحكومة الهولندية مستعدة لاستضافة المحكمة في هولندا، ما لم تبرز عراقيل غير مرتقبة.

وسيتخذ الاتفاق على مقر للمحكمة، عندما يتم، بعداً مهماً لأن المقر خطوة تعجّل في انشاء المحكمة، لأن ناحية التمويل مرتبطة بالمقر ولأن التمويل لا يشكل العقدة الأكبر. لكن الجهود التي تبذلها الأمانة العامة للأمم المتحدة لم تسفر بعد عن نتيجة لجهة تسمية المدعي العام وقضاة المحكمة وقضاة ما قبلها. لكن الأمم المتحدة تتحرك بتماسك وتتخذ الاستعدادات لتكون جاهزة مع نهاية هذه السنة

مصادر
الحياة (المملكة المتحدة)