الديمقراطية ، رجال الدين ، والمرأة الحائزة على جائزة نوبل .... وبلد يقفز فجأة الى واجهة الاحداث ونشرات الاخبار .
مرة كتب الباحث البلجيكي ميشال كولون انه يكفيك ان تنظر الى خريطة النفط في العالم لتعرف اين ستقع الحرب المقبلة . ولكن ثمة شعارات وصور باتت ايضا تدل على الغطاء الموضة ، الذي بات يشكل تبرير كل الاهداف السياسية الاميركية ، التي لا تقتصر على النفط ولكنها تبقى مرهونة بالعامل الابدي المتمثل بالجيواستراتيجيا ، وبالنظام الفكري المعين . على رأس هذه الصور - الموضة : تحريك العصبيات الدينية او العصبيات العرقية الاثنية ، ورفع شعار الديمقراطية ، ومعتقلي الحريات ، وتحضير شخص ، من الافضل ان يكون امرأة ، بمنحه جائزة نوبل ، ليجعل رمزا . بعد ذلك تتراكم الاستعدادات ومنها الافادة من اخطاء النظام المعني ، الى ان تحين اللحظة المناسبة ، فيتم تحريك المياه الراكدة ، ويتكفل الاعلام باعطاء الحجم المناسب للحدث.
واذا ما تساءلنا عن المصدر الذي يدفع حدثا الى الواجهة ، ويزيح اخر الى الظلمة ، فهمنا بسرعة ان وكالات الاعلام التي تشكل مصدر هذا التدفق هي بمجملها وكالات اميركية او غربية مرتبطة بالسياسة الاميركية ، وكلها تابعة لهذا الجهاز الاستخباري او ذاك .
كما ان اجهزة الاعلام الكبرى على امتداد العالم ليست ببعيدة ايضا عن ذلك . كل هذه الاسباب جعلت من الشكوك اول ردة فعل متنبهة ، على احتلال خبر تحرك الرهبان في بورما ، التي اصر الاعلام ايضا على تسميتها بالاسم الجديد نيانامار ، الذي لا يكاد يعرفه اي متلق . فيما لا يشكل ابدا صدفة او تماشيا مع التجديد ، وانما هو فعل متعمد هادف بوعي الى الحؤول دون ربط المتابعين السياسيين ما يحدث بتاريخ الاحداث في بورما وعلاقة ذلك بالاميركيين من جهة وبالصين من جهة ثانية . بل انه يهدف ايضا الى عدم تمكن المتلقي من تحديد الموقع الجغرافي لهذه النيانامار استبعادا للربط بين الحدث والستراتيجية الاميركية في اسيا وعلى حدود الصين.
وحتى لو انه لم يكن من مناص لان يحصل هذا الربط فيما بعد ، فان القاعدة الاعلامية المعروفة المتمثلة بالصدمة الاولى ، الانطباع الاول تكون قد تكونت . لكن ، اذا كان هذا ينطبق على المتلقي فانه لا ينطبق ابدا على وسائل الاعلام التي يسميها علم الاتصالات"دليل الرأي العام"ولا شك انه يفترض في القائمين عليها ان يقيموا الربط بين هذا الضغط على الصين عبر بورما ، وبين ما يجري في العراق ، في ايران ، وعلى صعيد عودة تنامي القوة الروسية ، المتحالفة مع الصين في منظمة تشنغهاي ، المنظمة التي باتت تضم معظم الدول المالكة للثروات وللقوة في اسيا ومنها ايران . والتي ترعرعت في فيئها فكرة روسيا في انشاء منظمة مصدرة للغاز على نمط الاوبيك . حيث تكون الدول الرئيسية من حيث هذه الثروة : روسيا ، ايران ، الجزائر ، وقطر . مما يعني امرين خطيرين :
الاول منظمة ضاغطة لا تملك الولايات المتحدة الهيمنة عليها ولا حتى الاغلبية .
والثاني منظمة تستطيع ان تشكل ضغطا كبيرا على اوروبا ، نفذ فلاديمير بوتين بروفة صغيرة له عندما اوقف الغاز عن القارة العجوز لمدة ايام في العام الماضي ، فتعالى الصراخ .
واسرع نيقولا ساركوزي ، فور انتخابه ، وبالتنسيق مع حلفائه في واشنطن ، الى الجزائر في اول زيارة له بعد انتخابه ، عارضا مبادلة التكنولوجيا النووية بالغاز.
اذا اردت ان تعرف ما في بورما ، عليك ان تعرف ما في اميركا (ورحم الله حسني البرزان) .
لكن العم سام لم يتركنا نتعب فكرنا في التحليل وها هو يخرج غداة اندلاع الاحداث في بورما ليلقي علينا خطابا بليغا في حق الشعب هناك في الديمقراطية ، ووجوب اطلاق سراح المعتقلين السياسيين ، في ذات الوقت الذي يفرض فيه عودة بلاك ووتر الى العراق ، وتبتسم كونداليزا رايس لاحمد ابو الغيط دون اي ذكر لمعتقلي الرأي ، واخرهم الصحفيين الذين لم تبرد قضيتهم بعد في مصر.