وسط الغيمة السوداء لغزة هناك ثقافة "الإنترنيت" التي يهوى البعض التواري خلفها، تاركين تعليقاتهم وكأنها معلقة على سماء مهزومة... فأنا يسعدني التعليق ليس كمعلومة عن تأثير ما يُكتب (feedback) بل لأنه صورة لأنواع من الاضطهاد أو المحبة.

في التعليق على صفحات الإنترنيت تغيب غزة أحيانا لأننا نعرف أن ما ينقله البعض من ثقافة توحي بالهزيمة، وأن العنتريات التي تغطي وجوهنا وتصرفاتنا تسقط عند أي إشارة جديدة لمواجهة تحدث يوميا... هذه العنتريات التي مازالت تحتمي وراء الأنثى، أو خلف الشرف الذي سالت الدماء عليه مرارا، فتفهم الكلام بإيقاع لا يحمل إلا "جنس المذلة" بدلا من "جنس الخصب" والإبداع والقدرة على التحرر من حياء الجسد.

وعندما تكتب الأنثى فإنها تدرك كم من المقدسات يمكن ان تحاصرها، لكن الحروف لم تعد تملك نفس "الجلالة" التي كانت طالما أن البعض يحاول تحميلها تسميات مستعارة، والتستر بعباءة الإنترنيت لإخراج الكبت المدفون من زمن الصحراء ومن اصفرار القبيلة، فعندما تكتب الأنثى تدرك ان زمن الخجل انتهى، وان الرذيلة التي تعلق على عنقها كل ثانية أصبحت وساما لحرية اكتسبتها بالممارسة، فيسقط الخوف من "الفحولة" الزائفة التي تتسلل لبعض التعليقات في الإنترنيت أو في أي مكان آخر.

ربما أفكر بدعوة الجميع للتعليق، لأن هذا الزمن يحوي كل شيء، ويحمل الكثير من الحب والنشوة، كما يحمل القليل من مشاعر "الفحولة" الافتراضية، فأفرح لتعابير أردت كسرها وظهرت في بعض التعليقات التي ترافقني ليس فقط في العالم الافتراضي، بل حتى في المنزل وفي نظرات من حولي، فإذا انسالت الحروف عرفت أن هناك تجربة فريدة أستمتع بها وتستمتع بي، وأن رسالة الحرية هي ليست للأنثى بل ليفرغ الجميع دواخلهم نقمة أو فرحا للحروف التي كسرت "مساحة الأنثى" وجعلتها بابا يستطيع الجميع دخوله.

دعوة أخيرة للتمرد على "شيم" عنترة التي رسمت خيال "باب الحارة" و "ليالي الصالحية" و "أيام شامية" لأن هذه الصورة الدرامية هي التي أوصلتنا لحصار غزة وقبلها لخسارة فلسطين، وقبلها ... وقبلها... فمشكلتنا أن عنتريات القرون الوسطى مازالت تعيش في داخلنا تحت ستار من "المودرن" أو ادعاء العلمانية... أو حتى "الطهارة" من كل أثم....