لأشكال الاحتجاب أكثر من طريقة، ولقصتنا مع "عوراتنا" حكاية لم تبدأ فعليا مع آدم وحواء، ولم تمر بجرائم الشرف وبأجيال من المغتصبات منذ فجر التاريخ، فـ"العورة" هي ما نود إخفائها من مساحة ذاكرتنا، وهي ليست مواقع الخصب في الجسد، بل آلام الذاكرة التي تكشف حجم "الدونية" التي تسكننا، فنحن و "العورة" تاريخ نراه في لحظات صدق، أو في صدفة أوجدت أزمة، وجعلتنا نعيش عامين ونصف من التنقيب في "العورات"، فأي ورقة توت قادرة على حجب ما شاهدناه؟ وأي نقاشات واجتماعات قادرة على مسح الذاكرة التي نلملمها من الألم ومن "سوءات" الآخرين؟!

و "وريقة" توت لم تعد تكفي، وهي لن تجعل أحدا يقتنع بأن التفكير كاف لتجميل ما حدث، فلا "جنيف 2" ولا الملتقيات ولا حتى "عواصم الممانعة" يمكنها أن تخلق شفافية تجعلنا نعترف أننا لا نملك ما نستر به الفضيحة التي نخلقها، ثم تتكفل الشبكة الافتراضية بنشرها، وعلى امتداد "العورارت" أو تاريخ أزمتنا تنقل "أصدقاء سورية" وهم يحملون "الفضائح المتراكمة" كي يخلقوا منها "عورات" من طراز فريد، ومحطتهم الأخيرة في الدوحة سنلاحقها بآلاف وريقات التوت كي نعيد صياغة الماضي على أساس لا يوجد فيه آدم وحواء ولا موال ومعارض، بل سلاسل بشرية تنتقل من دمشق إلى عواصم مختلفة كي تكشف المستور من ذاكرتنا المتشكلة على هيئة "فضيحة جبارة"

وريقة التوت سقطت من رمزيتها القديمة، ورسمناها عبر التفكير السقيم في أزمتنا، وشكلناها في مؤتمرات العلاقات العامة التي أصبحت رمادا نذره في عيوننا كي ننسى قدرتنا على تحويل العالم لـ"عورات" متتالية تشهد انتباه رجال الفضيحة فيكتبون الحدث السوري على نمط الفحولة الافتراضية، وينتقلون من فندق للآخر ليخلقوا أفلام "بورنو" سياسية لا تثير سوى غريزة الصحراء لمزيد من السبايا ولبحر من الخلافات المذهبية....

عامين لم نمل من متعة الكشف عن "عوراتنا"، فنخلق أوراق صفراء وتصريحات رمادية ووجوه تنغرس في الذاكرة ثم تفيد قيحا من الكلمات والجمل الصدئة، فهل علينا الانتقال لنقاش آخر حول "الأزمة"، وهل نكتفي بالتلاقي والتنافر على أرض سئمت قدرتنا على ابتكار ألوان التنافر؟!

"وريقة توت" لا تكفي كي نثبت أننا نملك "عورات العالم"، فنحن جمعناها في تنقلنا شرقا وغربا بحجة البحث عن حل أخير، أو حوار يطمس كل السوء المتراكم على أجسادنا، فأي محطة جديدة لن تحول الوجوه التي رافقتنا على امتداد الأزمة من عورة إلى تجل فكري يكون خيالنا لتصبح سورية خصب من جديد.